By admin on 12 May 2010
منتدى الوسطية في لبنان
المؤتمر الدولي الثالث للوسطية في لبنان
تحت عنوان
” الوسطيّة و نهج الاستقرار في الشرق الأوسط ”
مداخلة الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري
تحت عنوان
” الوسطيّة والتطرف والحروب الدينية”
بيروت -20 و21 نيسان 2010
أصحاب المعالي والسعادة والفضيلة،
حضرات السيدات والسادة،
اسمحوا لي في البداية أن أعبر عن اعتزازي وسعادتي بوجودي في هذا البلد العزيز لبنان العروبة، لبنان الكرامة، لبنان الفكر والحضارة، لبنان الصمود.
وأشكر منتدى الوسطية في لبنان الذي وجه لي الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر الدولي الكبير مؤتمر ” الوسطيّة و نهج الاستقرار في الشرق الأوسط “.
وأحيي بكل إكبار وتقدير دولة الرئيس نجيب ميقاتي مؤسس المنتدى وراعيه، وأثمن عالياً جهوده المباركة في خدمة الفكر والثقافة والنهوض ببلده وبوطنه العربي. وما تأسيسه لهذا المنتدى وسهره على أداء رسالته إلا دليل على ما يحمله في قلبه من أمل في مستقبل زاهر للبنان ولسائر الوطن العربي.
وأهنئ الهيئة المنظمة للمؤتمر على نجاحها في توفير جميع شروط النجاح لهذا المؤتمر وأشكرها على ما وجدناه من عناية كاملة منذ وصولنا إلى هذا البلد الكريم وأخص بالشكر والتهنئة أخي الدكتور وسيم قلعجيّة رئيس الهيئة المنظمة.
وأرجو لبلدي الثاني لبنان ولشعبه دوام الاستقرار والتقدم والازدهار ولحكومته ورئيسه دوام التوفيق والسداد والانتصار.
وبعد فموضوع هذه الجلسة الأولى هو: التطرف وصناعة الحروب الدينية في الشرق الأوسط.
وقبل إعطاء الكلمة لهذه الكوكبة من كبار الأساتذة أقدم للموضوع بمقدمة مختصرة حول الوسطيّة والتطرف والحروب الدينية.
الوسطيّة اختيار واع عقلانيّ يتميّز بالاعتدال والتوازن والهدوء النفسي، الذي يسمح بتسديد النظر إلى أحسن الأمور وأنسبها والقيام بالتصرف الأفضل.
وهي حالة الفكر في نضجه وكماله في البحث عن الفضيلة وانتحالها والاستمداد منها والتعبير عنها.
إنها حالة من نزاهة الفكر التي تبتعد عن الهوى والتشهي وتدفع إلى الالتزام والإخلاص للحقيقة.
فليست الوسطيّة مجرد وقوف في الوسط بين طرفين.
لأنها لو كانت كذلك لكانت عملية آلية يقوم بها الفكر تلقائياً فيبتعد عن الطرفين المتناقضين ليقف في الوسط على الدوام.
ولو كانت كذلك لما كانت منطقية لأنه كيف يمكنك الوقوف في الوسط بين الحق والباطل وهما طرفان متناقضان، أو بين الخير والشر أو العدل والظلم؟
كيف يمكنك الوقوف في الوسط بين الإرهاب و بين التسامح، أو الانغلاق والتفتح، أو بين الاستبداد و الديمقراطية؟
إنّ الوقوف في الوسط في جميع هذه الحالات موقف سلبي واختيار فاسد، وفيه تعطيل للفكر ومخالفة واضحة للمنطق وما يقتضيه العقل السليم والطبع المستقيم.
إنّ الوسطيّة في حقيقتها هي اختيار الأفضل والأحسن والأمثل، إنها نوع من الخيرية، أي اختيار ما هو خير من غيره وهو الخيار، وهو ينسجم بالخصوص مع الدلالة اللغوية لكلمة ” الوسط”، فالوسط في اللغة هو الخيار والأعلى من الشيء.
فالأطراف أول ما يسارع إليه الخلل، والتطرف انتهاء للجهة التي يفسد معها التوازن في الأقوال والأعمال.
قال الشاعر:
كانت هي الوسط المحمي فاكتفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
كما تقول وسط القوم، وواسطة القلادة أنفس حجر فيها، والأمير وسط الجيش. وكما يقال قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر.
فمن أجل ذلك صار معنى النفاسة والعزة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفاً فأطلقوه على الخيار النفيس كناية.
قال زهير:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعضل
وإذا تتبعنا معنى الوسط والوسطيّة في الاستعمال القرآني نجده جارياً على هذا الفهم مطابقاً لهذا الوصف.
فعندما قال الله تبارك وتعالى: { وكذلكَ جعلناكم أمّة وسطاً } سورة البقرة، الآية 143.
اتجه التأويل إلى المعنى الذي أشرنا إليه.
قال ابن جرير الطبري: ” وما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار، يقال فلان وسط الحسب في قومه أي متوسط الحسب إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه.
وأما التأويل فإنه جاء بأن الوسط العدل، وذلك معنى الخيار، لأن الخيار من الناس عدولهم.
وعلى هذا المعنى، فإن الوسط والوسطيّة لن تكون هي الوقوف في الوسط بين طرفين، وإنما تكون بالضرورة هي اختيار أفضل المواقف وأشرفها وأنفسها في الاعتبار الأخلاقي والإنساني، وهي المواقف العادلة ومواقف الشرف التي تدافع عن القيم والمثل العليا والمبادئ السامية.
الوسطيّة في هذا الاعتبار هي الالتزام بالفضيلة وما تجمعه من معاني الخير والمحبة والرحمة والسلام والتسامح والشعور بالأخوة الإنسانية.
الوسطيّة هي العدل في الأمور واختيار ما يحقق التوازن بين المادة والروح، وبين الدنيا والآخرة، وبين حقوق الله وحقوق العباد، وحقوق النفس وحقوق الفرد والأسرة والجماعة والمجتمع الإنساني.
الوسطيّة هي إنصاف الغير من نفسك واحترام هويته وانتمائه وقبوله في نفسك وفكرك أخاً في الإنسانية، وشريكاً في الآدمية، ورفيقاً في عمارة الأرض، تتعاون معه على الخير وتفيده وتستفيد منه في سماحة وإيثار.
الوسطيّة هي سماحة النفس و وجودها بما هو خير وما هو أفضل لنفسك وللغير.
ومن حيث كانت للوسطية هذه المعاني عدها علماؤنا عدلاً وخياراً، واختارها الله لأمة الإسلام وصفاً فقال تعالى: { وكذلكَ جعلناكم أمّة وسطاً } سورة البقرة، الآية 143.
إن الوسطيّة التي ننادي بها تتلخص في أن يحمل المرء معه قيمة ومثله العليا ليعيش بها في مجتمعه المعاصر. والوسطيّة بهذا المفهوم هي أن نرى الإنسان المسلم يعيش عصره منفتحاً على قيم الحداثة مالكاً لزمام العلوم والتكنولوجيا المعاصرة، مشاركاً في بناء المجتمع الحديث، متعايشاً مع غيره من أبناء الديانات والأيديولوجيات في أمن وسلام مندمجاً والأيديولوجيات في الوسط الإنساني كيفما تنوعت ثقافته وحضارته. لكنه في نفس الوقت محافظاً على دينه ومقومات شخصيته وعلى هويته وانتمائه في اعتدال وتوسط و مرونة وسماحة وأخذ وعطاء.
وإذا كنا نرفض أن نساق إلى التفريط في ديننا باسم الوسطيّة، فإننا كذلك نرفض أن تضرب عزلة بيننا وبين عصرنا، وبيننا وبين العالم الحديث باسم الدين، ونرفض التطرف والجمود والتقوقع والتشدد في الدين والظلامية، ونرفض التلويح بالإسلام سيفاً مسلولاً مسلطاً على الرقاب يخاطب العالم بلغة التكفير والجاهلية وينشر الرعب باسم الجهاد والقتال في سبيل الله.
وهذا التوسط في الأمور والأخذ من كل طرف أفضل ما فيه هو الوسطيّة التي ندافع عنها. إن الوسطيّة هي تيار الأغلبية العظمى في الأمة الإسلامية، ويمكن أن نقول إنها عقيدة الغالبية الصامتة.
إنها الرصيد العظيم الباقي في ضمير الأمة ووجدانها وفكرها من ميراث الإسلام الغني. تفرقت الأمة فرقاً ومذاهب وأحزاباً وشيعاً على مدى تاريخها الطويل، وشهدت حروباً وفتناً، واختلطت بأمم أخرى شعوباً وقبائل وامتزجت دماؤها وثقافتها وحضارتها بغيرها من الأمم، والتقى دينها بديانات أخرى وفلسفات ومذاهب شتى، وبقي جوهر الإسلام صافياً نقياً سليماُ لا ينضب معينه ولا يتغير لونه ولا طعمه، بقي وسطية سمحة متوازنة في قلوب عامة المسلمين وفي ضميرهم الديني، وبقي الغلو شذوذاً والتطرف استثناءاً، وبقيت الدعوة قائمة إلى التوسط والاعتدال يتنادى بها العلماء وترتاح إليها العامة وتفزع إليها النخبة، وكأنها الأصل الذي لابد من الرجوع إليه والأساس الذي لا مناص من التعويل عليه، وبقي قول الله تعالى: { وكذلكَ جعلناكم أمّة وسطاً } سورة البقرة، الآية 143، مناراً مضيئاً يرشد الناس في ظلمات البحر اللجي إلى شاطئ النجاة.
وإن من المفيد والأكيد أن ينكب أهل الفكر والعلم والاجتهاد على استجلاء خصائص هذا التيار الغالب تيار الوسطيّة الراشدة، الوسطيّة العقلانية، وسطية الكلام السواء، وسطية الصراط المستقيم، وسطية الأمة الشاهدة على الأمم وعلى العصر، وسطية الخيرية القائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.
إن الناس اليوم في حيرة من أمر الإرهاب الذي أصبح يهدد الأمن والسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم باسم الدين، ومن أمر التطرف الذي أشعل نار الفتنة الدينية في ديار الإسلام على الخصوص وحيثما تواجد المسلمون على العوام، ومن أمر هذه الجماعات التي احتكرت الإسلام واختطفته رهينة وقامت بتكفير الأمة وحكامها واتخذت لنفسها أمراء بايعتهم على قتل الناس وإرهابهم بما تسميه جهاداً في سبيل الله.
وإن الحل الذي نراه هو أن تتضافر جهود القيادة الفكرية والقيادة السياسية والمجتمع المدني من اجل بلورة تيار الوسطيّة، وتوسيع إشعاعه ونشر مبادئه وقواعده وقيمه وخدمة مقاصده وجمع الناس حوله، وخلق جمهور عريض من المفكرين والعلماء والمثقفين والإعلاميين والسياسيين والجمعويين من الداعين له والمناضلين من اجله في شبه جبهة قوية وإجماع وطني في كل بلد من بلدان الإسلام شعارها الوسطيّة الراشدة.
إن الوسطيّة هي منهج الأخيار في كل دين وكل ملّة وكل تيار فكري أو أيديولوجي أو فلسفي، إلا أنها في الإسلام أبرز وأوضح لأن الإسلام اختارها لتكون عنواناً لأمته { وكذلكَ جعلناكم أمّة وسطاً } سورة البقرة، الآية 143.
وكل من استطاع أن يحارب في نفسه الغلو والتطرف الفكري أو الأيديولوجي أو الفلسفي أو المادي أو العلماني أو الديني، فهو في زمرة التيار الوسطي الذي تتعايش فيه جميع التيارات والمذاهب والممل والنحل، و تتساكن فيه جميع ألوان الطيف لأنه يقصي أحداً ولا يحتكر الحقيقة ولا ينغلق.
بالوسطيّة سينجح الحوار الإسلامي المسيحي والحوار الإسلامي اليهودي والحوار بين أتباع الديانات جميعاً، وبالوسطيّة سيقع التقريب بين السنة والشيعة، وبالوسطيّة سنستريح من حملات التضليل والتبديع التي تشنها السلفية على الصوفية وعلى أنصار التجديد، وبالوسطيّة سنرجع بتيار التكفير والهجرة إلى الإجماع، وبالوسطيّة سيحصل التوازن بين الثوابت والمتغيرات، وبالوسطيّة سنخرج من التجميد الذي انتهى إليه المحافظون والتمييع الذي انحط إليه دعاة الحداثة, وبالوسطيّة ستنفتح الأمة على عصرها وتستشرف آفاق المستقبل وتنهل من مختلف الثقافات وتقتبس من علوم العصر وفنونه ما يؤهلها للتنافس الحضاري الشريف، وبالوسطيّة ستنفتح أبواب التعاون مع المجتمع الدولي ونساهم في بناء السلام العالمي، وبالوسطيّة سنتجنب مخاطر صراع الحضارات لنبدأ عهداً جديداً من حوار الحضارات ولقاء الثقافات.
أم الحديث عن الحروب الدينية في منطقة الشرق الأوسط، فمنذ الحروب الصليبية لم تشهد المنطقة حروباً دينية مماثلة إلا بعد زرع إسرائيل في المنطقة بخلفيتها الدينية اليهودية وتوجيهات الحاخامات الحاملين للفكر الديني المنغلق والمتطرف والحاقد.
وإن إسرائيل رغم نظامها الديمقراطي فإنها دولة دينية بامتياز ويتحكم الحاخامات في توجيه شعبها وهذا الشعب هو الذي يصوت على الحكومات تثبيتاً وإسقاطاً. ومادام أولئك الحاخامات موجودين في موقع القرار بفكرهم المتطرف المنغلق فإن إسرائيل ستبقى رافضة للسلام مستمرة في العدوان مواصلة للمواقف المتطرفة، وكلما سقطت حكومة جاءت حكومة أسوأ منها وأكثر تطرفاً.
إن المعتقدات الدينية الخرافية للحاخامات جعلت إسرائيل خارج الزمن ورجعت بها إلى عهد الهيكل وظلام التاريخ السحيق الدامس وغرست في قلوب أبنائها الرعب من الزوال واستشعار الخطر من طلوع شمس السلام على أطلال الوهم وأنقاض الحقد البائد.
يجب أن نراجع دور الحاخامات وراء المواقف الشاذة التي يمارسها المتطرفون اليهود والمعارك الخالية من كل معنى والتي تخوضها الحكومات الإسرائيلية المتطرفة.
إن التطرف الديني في بلداننا العربية والإسلامية لم يستطع بعد أن يتسرب إلى مراكز القرار وأن يسيطر على الحكومات أو أن تكون له حكومات منبثقة عن أفكاره وتوجهاته.
وما يزال التطرف عندن لا يتجاوز عمل بعض الجماعات الإسلامية وعلى الخصوص منها تلك التي تجاوزت التطرف إلى الإرهاب.
وما تزال جماعات إسلامية كثيرة عندنا ترفض الإرهاب وترفض التطرف وتدعو إلى السلم والحوار وتكتفي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
ولكن عندما يصل من الجماعات الإسلامية ذلك الجزء المتطرف أو الإرهابي إلى السلطة والحالة أن الحاخامات اليهود المتطرفين هم الموجودون في السلطة فلا تسأل عن الحروب الدينية المدمرة التي ستحصل في هذه المنطقة !
لذللك فإن من الخطأ اقتصار الحرب على الإرهاب على دول العالم الإسلامي بل يجب شن الحرب على الإرهاب في إسرائيل أيضاً لأنه إرهاب دولة وإرهاب الجهاز الديني المتحكم والموجه للشعب وإرهاب الجماعات الإسرائيلية المتطرفة وإرهاب الحاخامات الإسرائيليين الذي يعيشون خارج الزمن.
إن جرائم إسرائيل في غزة وجنوب لبنان وفي القدس وفي جميع أنحاء الوطن الفلسطيني جرائم يغذيها ويوجهها ويدعوا إليها الفكر اليهودي المتطرف الذي يتغذى بدوره من فكر الحاخامات وفتاواهم ومواقفهم الدينية المتطرفة.
إننا لا نرفض التعايش مع اليهود في أمن وسلام على جميع تراب فلسطين الذي هو أرض للفلسطينيين. وقدمنا تنازلات منها القبول بحدود 1967 والقبول بتقسيم القدس والقبول بالاعتراف بدولة إسرائيل وبوطن مستقل لليهود على أرضنا، ومع ذلك تأبى إسرائيل إلا أن تمحو من الوجود شعب فلسطين وأرض فلسطين ومقدسات المسلمين والمسيحيين على أرض فلسطين وتعلنها دولة يهودية عاصمتها الأبدية القدس والتي لا مكان فيها لغير شعب إسرائيل.
وبطبيعة الحال فإن هذه المواقف المتطرفة ستضر أول ما تضر بإسرائيل نفسها لأن قوة ارتداد هذه المواقف في العمق الوجداني للعالم العربي والإسلامي سيعصف بكل محاولات السلام وسيخلف جبهة قوية للرفض وسيؤدي إلى تطرف أعتى وأشد وسيحمل الناس سلاحهم لاسترجاع حقوقهم وسيحملون الحجارة من جديد وهي حجارة من سجيل هزم الله بها جنود أصحاب الفيل جزاء على عدوانهم على الآمنين في الحرم.
والسلام
Posted in الجلسة الأولى