الكلمة الختامية لدولة الامام الصادق المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

نص الكلمة الختامية لدولة الامام الصادق المهدي

أخي  دولة الرئيس نجيب ميقاتي ،
أخواني وأخواتي ،
أبنائي وبنائي
السلام عليكم
ما كان لي أن استجيب لهذه الدعوة الكريمة لولا أنني شعرت أن كثيراً من الحاضرين الذين أحسنوا وأتقنوا محاضراتهم قد ركزوا على الجزء الفارغ من الكون مما أحزن كثيراً منا ، الدكتور منصور مثلاً حصل له إحباط وكثيرٌ منا كان في رأيِ خليق بهم البكاء خصوصاً يا أخي الرئيس المبكيات العشر التي ذكرتها أنت ، وذكر كثيرٌ منا نصوصاً أخرى كلها مبكية ومحزنة .
ولذلك فكرت في أن أساهم بشيء من الكلام عن الجزء المملوء من الكوب ولا شك أن هذه الجلسة الأخيرة كان فيها بعض العزاء في هذا الجزء المملوء من الكوب فأدخلت شيئاً من التوازن……
ولذلك أنا أودُ أن أساير هذه الروح .
قبل انتخاب الرئيس أوباما كنت أنا وآخرون من الذين نتوقع فوزه ،… وليس ذلك عن معرفة دقيقة بالسياسة الأميركية ،  ولكن لأنني قلت في ذلك الوقت إن الرئيس بوش قد وضع السياسة الأميركية من حيث الإخفاق والفشل في خانة ، لا بد أن يفكر أحد من الخروج من هذاا الجحر الذي حشرت فيه السياسة الأميركية على نحو ما قاله الشاعر ابن زريق البغدادي  :” وأضيق الأمـر إن فكـرت أوسعـه ” باعتبار أن الضيق وصل إلى درجة لا بد أن يتحرك منه إلى خانة أخرى ولذلك كنت أقول لا بد من التغيير في السياسة الأميركية ،  لأن السياسة البوشية ، سياسة الرئيس بوش قد حشرت السياسة الأميركية في ركن لا بد من أن يتحرك من ذلك الجحر.
وأنا الآن أقول ، إن إخفاق الواقع الحالي ، من شأنه أيضاً أن يجعل السياسات الحالية في جوانبها المختلفة محشورة في جحر لا بد أن تخرج منه….
أولا : لنأخذ موقف الطغاة في عالمنا ، أنا أقول لكم إن الطغاة في عالمنا اليوم محاصرون وهم جميعاً يشعرون بهذا الحصار، ولا بد من بديل ، لأن استمرار هذا الظلام إلى ما لا نهاية ضد طبيعة الأشياء ، إذاً هذا الليل لا بد له من آخر .
ثانياً : بالنسبة للغزاة ، السياسة الأميركية المبنية على الأحادية والإستباقية فشلت ، فشلت في أفغانستان ، فشلت في العراق ، فشلت في الصومال فشلت في كل مكان… وهم يعترفون بذلك : فشلت وأفلست الولايات المتحدة الأميركية .
إذاً هنا أيضا ، ظهرت حدود كاملة للطاقة والقدرة الإملائية العسكرية الأميريكية  و كذلك الآلية الاسرائيلية.
فالالية الاسرائيلية ايضا  بلغت حدودها من حيث الطاقة و القدرة العسكرية .
بل أقول ، إن الصهيونية إلى نهاية ، وهذا موضوع بسيط ، ماذا تقول الصهيونية ؟!
الصهيونية تقول جمع اليهود كلهم في دولة يهودية ، يهوديّة هذه الدولة في خطر كبير لان الحقيقة الديمغرافية تؤكد ان هذه الدولة لن تكون دولة يهودية ، كذلك الصهيونية تقول بجمع اليهود في العالم كله في إسرائيل ، هذا مستحيل ! أغلبية اليهود كانت ولا زالت وسوف تظل خارج إسرائيل . لأن عناصر الشُد لها خارج إسرائيل أقوى من عناصر الجذب لها في إسرائيل.
اذا المشروع الصهيوني ساقط .
أقول هذا وأقول أيضاً إن معنى هذا كله ، أنّ هذه المخاطر ، الخطر الصهيوني ، التمدد الاستعماري ، والطغيان كل هذه الأمور بلغت حداً ،  في تقديري ،  لا بد من الخروج منها…..
وهذا هو الذي ، في رأيِي، يجعل بسقوط الخيارات الأخرى  ” خيار الوسطية حتميا ” .
لأنّ هذا يعني أن كل هذا الغلو سواء في الطغيان أو في الفتح العسكري أو في التمدد العدواني الإسرائيلي …..زكل هذه المسائل إلى نهاية مما يفتح المجال لخيار آخر هو الذي أعتقد تطرحه ” الوسطية “.
سأتحدث كثمرة لهذا المؤتمر عن ثلاثة أمور :
الأمر الأول : ما اعتقده حقائق جديدة رسمها المحاضرون في هذا المؤتمر .
الأمر الثاني : أهداف واضحة يمكن أن تتبنّاها الوسطية.
الأمر الثالث : تتعلق بتوصيات – ماذا بعد ؟!
لا اشك أبداً أن هذا المؤتمر قد حظي بإتقان في التحضير ، مداخلات خالية من التهريج ، وافرة بالتخصص والموضوعية وثرية بمقترحات عملية.
إذاً الإشادة بالذين دعوا إليه : المنظمون ومن شاركوا فيه وأثروه.
وفيما يتعلق بالتحليلات الجديدة ، إنّ الوسطية مبدأ إسلامي وهي كذلك ، نهج مفضل في كافة الأديان وفكر الإنسان وهي لا تعني نصف الطريق بين الحق والباطل بل الحق ذاته .
– يخيّم على المنطقة تحالف غير مكتوب بين الطغاة والغزاة والغلاة ما يوجب” نجدة لوسطية ” أن تسعى لتحقيق الحكم الراشد والاقتصاد المجدي العادل والتحرير بالإرادة الوطنية ،
إنّ الغلو وما يصحبه من عنف عشوائي ظاهرة تتكرر في كل الثقافات في ظروف معينة ولا ترتبط  بدين معين ولا ثقافة معينة .
أما التفريط والإفراط كلاهما من أحابيل الشيطان ، والإفراط من الغلو الذميم في الدين ، لذلك فإن الظاهرة التكفيرية وما صحبها من إهدار الدماء مخالفة لمقاصد الشريعة ولكنها مرتبطة بظروف القهر والحرمان والاحتلال والاستيطان ووارد اختفائها بزوال تلك الظروف.
– أن المنطقة العربية متخلفة عن متوسط العالم في كافة مقاييس الأرقام الحياتية وتعاني اقتصادياً من افتقار التنوع في المنتجات والهشاشة إزاء الصدمات الخارجية وهيمنة قطاع الدولة بصورة خانقة لاقتصاد السوق الحر ، وحتى ما جرى من خصخصة خلا من الضوابط ما جعلها مدخلاً للفساد.
– أنّ الإصلاحيْن السياسي والاقتصادي وجهان لعملة واحدة هي التنمية البشرية . فالإصلاح الاقتصادي يرفع الإنتاج الزراعي والصناعي والتعديني ويزيد حجم التبادل التجاري ويوفر أسباب المعيشة والأمن الغذائي والخدمات الاجتماعية ويستوعب الأيدي العاملة ويسد نفقات الأمن والدفاع ويوزع المداخيل بصورة عادلة . أما الإصلاح السياسي يقيم دستوراً يحقق المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون ويكفل حقوق الإنسان ويحمي الأمن والنظام والدفاع ضد العدوان .
بهذه المقاييس فإنّ المنطقة العربية دون المستوى المطلوب ، مما يجعلها غير مستقرة وعرضه للاضطرابات الداخلية والاستغلال الخارجي .
– التقاعس العربي يشهد تجدداً في الدور الإيراني والتركي وهما إلى جانب الهيمنة الدولية والعدوان الإسرائيلي يشكلون العناصر الفاعلة في المنطقة ما لم تنهض الأمة العربية فإنها سوف تكون مسرحاً لتصفية حسابات الآخرين .
– كانت القوى الاستعمارية حريصة في الماضي على تطويق الأمة العربية بتحالفات مع جيرانها ، عدد من هؤلاء الجيران مثل تركيا وإيران تحررا من تلك التحالفات وصارا أقرب إلى التحالف الاستراتيجي مع الأمة العربية إن هي استعادت نهضتها.
– التحولات التي وقعت مؤخراً من إسقاط خيار الحرب إلى انحسار الدور العربي وغيرها يمكن أن تكون باعث لليأس أو حافز للإنتفاض ما دامت القضية حية والوعي بها متوافر.
– تحكم اليمين في الساحة الإسرائيلية وتقاعس الدور العربي يبدّدان الأمل في تسوية سلام عادل ما يطرح خيارين :  التسوية التي تفرضها إرادة دولية ، أو الواقع الذي ستفرضه المستجدات السكانية وانحسار الحماسة العالمية للرؤية الصهيونية مما يفرض خيار الدولة الواحدة المدنية ما بين النهر والبحر، ما لم تسعف حركة الوعي الوطني المنطقة فإن اضطرابها سوف يوظفه حكامها وتوظفه الهيمنة الدولية لأغراض السيطرة عليها.
– الموقف الأميركي ، حتى إذا توافر استهداف ايجابي ،  فإنه لن يتحرك بصورة فاعلة ما لم يجبره وضوح الرؤية العربية وقوة الموقف العربي.
الخبر السار هو :
أولاً : أنّ للقوة العسكرية حدوداً ،  فلا تستطيع أن تملي إرادتها.
ثانياً : أنّ لمقاومة الاستيطان والاحتلال جدوى حتى مع عدم تكافؤ الفرص .
ثالثاً : أنّ حركة العنف الإرهابي ، وإن وجدت تجاوباً عاطفياً ، لا تحقق مقاصدها بل تثير ضدها عوامل أقوى منها ما يذكي أسلوب القوة الناعمة :  أسلوب الوسطية.

أهداف الوسطية :
هنالك طائفة من الأهداف تتطلب تبنّيها  من الحركة الوسطية أهمها :
– الإصلاح السياسي المؤدي للحكم الراشد والإصلاح الاقتصادي المؤدي للتنمية والعدالة بوسائل القوة الناعمة.
– العمل على التضامن المذهبي الإسلامي والتكامل بين التوجه الإسلامي والقومي والتعايش الملّي بين المسلمين والمسيحيين وغيرهم .
– حوار الحضارات.
– السعي لتوحيد الموقف الفلسطيني ودعم الصمود والمقاومة حتى يحل سلام عادل وشامل.
– الجسور العربية نحو الجوار التركي والإيراني والأفريقي والأوروبي بما يحقق المصالح المشتركة التنموية والأمنية ويحول دون توظيف الجوار لصالح إسرائيل والهيمنة الدولية .
– تأكيد أن الملف النووي يقوم على اشاعة الحق في التكنولوجيا النووية للاغراض المدنية كافة ، اما السلاح النووي  فانه تاريخياً لم يستخدم إلا عندما كان مملوك لطرف واحد.
والآن الخيار في الشرق الأوسط هو أن نتحدث جميعاً بلغة واحدة : اما إخلاء المنطقة من السلاح النووي او أن التوازن النووي سيفرض نفسه حتماً.
نهج الوسطية ” سوف يفرض منطقه ” لأن الحسم العسكري بلغ حدوده من طرف واحد وصار مستحيلاً استمراره .
استمرار الاضطراب في الشرق الأوسط  سوف يولد اضطراباً عالمياً  بما يفرخ إرهاباً وحِجج غير قانونية …. مما يخلق ظرفاً موضوعياً لتحالف بين الوسطية في منطقتنا والتوازن الدولي الجديد.
تحديد الأسس العادلة للعلاقة مع النظام الأوروبي والنظام الأميركي والعمل على دفع الموقف الغربي للتعامل معنا على أساس الاعتراف بمصالحنا المشروعة.
تفعيل عامل الوسطية داخل الأقطار العربية لإبرام مصالحات وطنية هي وحدها السبيل لتحقيق الوحدة الوطنية وسد منافذ التدخل الأجنبي .
أخيراً ، التوصيات :
أولا: تحديد برامج الوسطية في جوانبها الداخلية والإقليمية والدولية لتطبيقها بأسلوب لا مركزي في الأقطار المختلفة.
ثانيا : تكوين تشبيك واسع بين مراكز الوسطية.
ثالثاً : تكوين منبر لأبحاث الوسطية لدراسة الرؤى المطلوب أتباعها في المجالات المختلفة وإيجاد آلية للربط بين الفكر والواقع .
رابعاً : التطلع لفضائية باسم الوسطية.
أنا أعتقد أن مؤتمرنا هذا ، إذا اتفق على الحقائق الجديدة واتفق على الأهداف التي يمكن أن نتفق عليها واتفق أيضا على متابعة ذلك بأقل برنامج مشترك ،  يمكن أن يجعل رحلتنا إلى هذه البلد العظيمة الشقيقة رحلة عظيمة ومفيدة ونشكر ونشيد بدولة الرئيس نجيب ميقاتي وكافة الذين عملوا لهذا من مديرين ومترجمين وعاملين على راحتنا لأننا نكون بذلك ، قد حققنا بعض الشكر لهؤلاء على ما قدموا لنا من عمل نافع ومفيد والسلام عليكم .

انعكاس الاستقرار في الشرق الأوسط على الوضع في لبنان – سليمان تقي الدين


يحتاج المرء إلى الكثير من الخيال العلمي ، والكثير من التفاؤل أيضاً ، لكي يرى الشرق الأوسط منطقة مستقرة في المدى المنظور ، وليتوقع انعكاس ذلك على لبنان. قلب العالم القديم، وقوس الأزمات، أو منطقة النزاعات الدولية هذه، يرتبط استقرارها بنشوء نظام دولي جديد يقوم على التعددية والمشاركة ويستوعب بصورة أساسية هذه المرّة دولاً قد لا تكون ذات قوة عسكرية ولكنها تمثّل سلعاً اقتصادية ذات تأثير عالمي كالنفط والغاز. هذا على افتراض أن الصراعات العسكرية والأمنية قد انتهت بتسويات أو حلول سياسية , وفي المقدمة المسألة الفلسطينية ، ومسألة سباق التسلح وبالتحديد أسلحة الدمار الشامل.

قد لا نغالي إذا قلنا ، ودون الذهاب بعيداً في التاريخ ، انه منذ مطلع القرن الماضي وخلال الحربين العالميتين ، كان الشرق الأوسط هو إحدى أهم مناطق التنافس الدولي ، وهو الذي دفع جزءاً مهماً من ثمن التسويات ، في التقاسم الاستعماري أولاً ، وفي الحرب الباردة ثانياً.

ومنذ مطلع هذا القرن الواحد والعشرين هو المسرح الأساسي لتجريب نظام القطب الواحد والسيطرة الأميركية , كما الإخفاق والفشل. فإلى جانب الصراع الدولي الغربي تحديداً الأميركي الأوروبي ، هناك مكونات جديدة في المنطقة ، وفي آسيا عموماً تتشكل كتل ضخمة من المصالح تتفاعل على نحوٍ يجعل الغرب عاجزاً عن تقرير مصير هذه المنطقة كما في القرن الماضي. صحيح أن الصين والهند مثلاً لا تلعبان أدوارا سياسية مباشرة ، لكنهما تؤثران في مسار الأحداث لحفظ التوازن وتأمين مصالحهما . طبعاً تتصدر إيران الواجهة السياسية والأمنية ، لكن تركيا وباكستان والمملكة العربية السعودية وسوريا وإسرائيل دول ناشطة في الحراك السياسي والأمني.

الحديث عن استقرار الشرق الأوسط إذاً هو الحديث عن تبلور نظام إقليمي يجمع هذه المتناقضات ، وقد حاولت الولايات المتحدة الأميركية عمل ذلك وفشلت ، بينما محاولات بناء شرق أوسط ” إسلامي ” أو إعادة تكوين نظام عربي ، من الأمور غير الناضجة من حيث المقومات ومن حيث الإرادة السياسية.

وما تزال إسرائيل ابرز العوائق المعطّلة لتشكيل هذا أو ذاك من النظم الإقليمية، ليس فقط بداعي المسألة الفلسطينية، بل لأن إسرائيل تطمح للعب دور إقليمي مميز أيضاً. هذا يفسر إلى حد بعيد كل التطورات الحاصلة الآن من تعقيد النزاعات الإقليمية ولا سيما الدورين الإيراني والتركي ، رغم تراجع الدور العربي.

رغم كل الأوضاع العربية المزرية، لا يستطيع المشروع الغربي، والمشروع الصهيوني المتناغم معه، أن يفرضا على المنطقة حلاً للمسألة الفلسطينية على نحو ما ترغب إسرائيل، ودوراً إسرائيليا شرعياً في المنطقة.

وتتفرع عن هذه المشكلات الأساسية نزاعات حدودية وأهلية وأزمات سياسية تتعلق بشرعية الدول والأنظمة فضلاً عن التحديات الاجتماعية المتنامية. وهذه العناصر كلها تتفاعل فيما يشبه اختراقات بين الدول وتجاذبات في خياراتها . فلا نستطيع الإحاطة مثلاً بتفاعلات من نوع تصاعد حركات الإسلام السياسي ، ولا التواصل المذهبي بين دولة وأخرى ، ولا طبعاً تبلور الهويات الإثنية وحضورها في أكثر من دولة جرّاء عملية التخلخل في النظام الإقليمي وشعور هذه الجماعات بالغبن والتهميش ، وأحيانا كثيرة بالقمع. ففي الشرق الأوسط موزاييك تكاد لا تخلو منه دولة أو لا يخلو منه مجتمع سياسي.

لكنّ المكونات التاريخية هذه تواجه أنظمة مغلقة على المشاركة وتنزع إلى مركزة السلطة والثروة على فقدان لسياسات التنمية الشاملة. انبعاث الهويات الفئوية وانسداد آفاق التعبير السلمي عنها، وتصاعد الأيديولوجيات الخلاصية، والتحديات الأمنية التي تفرض الأولويات الوجودية تجعل المنطقة كلها واقفة على صفيح ساخن. لكن هذه الصورة السوداوية ليست قدراً محتوماً إذا ما ظهرت صحوة سياسية في بعض مراكز القرار.

المقصود هنا تعديل جدّي في إستراتيجيات الدول الكبرى باتت تفرضه الأزمة المالية العالمية وإعادة التوازنات الاقتصادية على شكل مختلف، وكذلك فشل سياسة الحروب الكبرى. كما المقصود أن ينهض في العالم العربي وضع جديد يستعيد بلورة الأمن القومي العسكري والاقتصادي ويشق طريقه بين الدول الثلاث الإقليمية المتقدمة غير العربية، إسرائيل ،إيران وتركيا.

في كل الأحوال يجب أن نتطلع بصورة خاصة إلى مصر والى حد ما العراق. هاتان الدولتان تحدثان فرقاً كبيراً في توازن المنطقة. استقرار العراق يشكل نقطة تواصل بين الدول المحيطة فضلاً عن انحسار المشاريع المذهبية، بينما عودة مصر إلى دورها العربي النشط يغير التوازن الإقليمي ويعطي النظام العربي مركز استقطاب جديد. ليس هذا في عالم الأمنيات بل هو حاجة وضرورة باتت تحرّض النخب السياسية العربية. من المهم توسيع هذا المناخ بمطالبة النظام الرسمي العربي بشيء من التوازن، وفهم مشكلات المنطقة واتخاذ خيارات تنطلق من المصلحة القومية العليا.

أياً كان رأينا السياسي بالوقائع الحالية وبسياسات الدول والمحاور فلا بد أن نلحظ ونسجل وجود نواة تفكير إقليمي يستقطبه تحد ٍ واحد هو التحدي الإسرائيلي الصهيوني، وهذه النواة تمتد من لبنان إلى إيران مروراً بسوريا وتركيا، رغم تباين المصالح والاتجاهات الأيديولوجية. ربما صار واضحاً سبب النزاع الإسرائيلي الإيراني، لكن دخول تركيا على المعادلة يحتاج إلى فهم دقيق.

يقول أحد أهم مستشارين الرئاسة التركية، أن تركيا تسير مع عقارب الساعة. استدارت تركيا ليس لسبب أيديولوجي، قد يكون هذا مساعداً، لكن السبب الرئيسي إدراك تركيا أن العالم العربي هو المدى الحيوي الاقتصادي والأمني الذي يؤثر فيها أكثر حيث السيولة والسلع الإستراتيجية والأسواق والمنافسة مع المشروع الإسرائيلي. الاقتصاد والاستقرار مصلحة تركية تهددهما إسرائيل خاصة وهي تزعزع وحدة الدول وتحرك الإثنيات و المذهبيات، وتركيا دولة متنوعة تعددية يطاولها مشروع تفكيك المنطقة إلى دويلات. لذا استنفرت تركيا ضد تقسيم العراق وضد العبث بالكيانات الحالية.

وجدد لبنان في دائرة هذا المشروع الذي يتكون في مشرق العالم العربي هو أحد عوامل الاستقرار بمعنيين، الحماية الأمنية والسياسية الإقليمية، والاستقرار الداخلي، فضلاً عن الإفادة من البعد الاقتصادي. وخلافاً لتلك الشائعة عن ” الهلال المذهبي” فإن هذه الدائرة فيها الكثير من التوازن والتنوع والتناغم.

يحتاج لبنان لكي يفيد من استقرار محيطه أن يخفض النزاعات السياسية حول موقعه ودوره الإقليمي. فهو محكوم أصلاً ببعد جغرافي سياسي اقتصادي امني واحد هو الحدود الوحيدة التواصلية مع سوريا. كذلك لا بد من أن يستطيع اللبنانيون أن يحلوا نزاعاتهم السياسية على السلطة ببناء الدولة الحاضنة لجميع بنيها. إذا نجح اللبنانيون في هذا الأمر عبر استكمال تطبيق الدستور والمؤسسات التي يقترحها في أفق بناء دولة لا طائفية، واستخدم لبنان ميزاته التفاضلية المعروفة الطبيعية والبشرية، فإن لبنان سوف يكون رائداً في المساهمة لتحديث المنطقة وتطوير بناها السياسية والثقافية والاقتصادية.

هذا الافتراض قائم على معطيات واقعية حيث الانتشار اللبناني والعمالة في الخليج على سبيل المثال تلعب دوراً مهماً في نهضة تلك الدول وتلبي الكثير من احتياجاتها، ويشكل خفض النزاعات الأمنية إلى تحولات في الأنظمة الاقتصادية المحيطة يستطيع لبنان أن يساهم في تطويرها. وليس على الدولة اللبنانية في هذا المجال إلا تأمين الاستقرار السياسي المبني على عقد وطني واجتماعي يثبت اللبنانيين في أرضهم ويمنحهم تكافؤ الفرص لكي يزيدوا رصيدهم في أثمن رأسمال الذي هو الإنسان واقتصاد المعرفة.

لبنان الذي يشكل مرآة المنطقة ويعكس تناقضاتها ويتأثر بأزماتها إذا صار واعياً لدوره، لمعطياته، لغنى مكوناته، وإذا وجد صيغة لاجتماعه السياسي تنظّم هذا التنوع كما يفترض الدستور، يستطيع أن يؤدي دوراً نموذجياً في المجتمعات العربية. في واقع الأمر إن النخبة السياسية اللبنانية هي المسؤولة عن إحباط المشروع اللبناني الذي تبلورت ملامحه ” اتفاق الطائف” وما يزال ممكناً إذا ما قررت هذه الطبقة السياسية التضحية ببعض امتيازاتها لإنقاذ فكرة الدولة.

اختتام أعمال المؤتمر الدولي الثالث للوسطية

21/4/2010 – إختتم المؤتمر الدولي الثالث للوسطية في لبنان بعنوان “الوسطية ونهج الاستقرار في الشرق الأوسط” أعماله في فندق “فورسيزنز” على أن تصدر المقررات والتوصيات بداية الاسبوع المقبل.

وكانت عقدت جلسة عمل بعنوان “متغيرات الصراع الدولي وتحديات الاستقرار في الشرق الاوسط” حضرها راعي المؤتمر الرئيس نجيب ميقاتي، والنائب روبير غانم والسفير المصري احمد بديوي ومشاركون ومهتمون. ترأس الجلسة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب في مصر الدكتور مصطفى الفقي الذي لفت الى أهمية موضوعات الجلسة وخصوصا مسألة الوسطية التي تعتبر فكرة اكثر ايجابية من غيرها ومثال التفكير بعقلانية من دون شطط او غلو او تعصب، وهي الشجاعة بخلاف التهور والجبن، وتعبير عن الحق واقرار حقوق الشعوب وتستنكر كل انواع التعصب والقهر، وهي صدى لتعبير الحياد الايجابي.

ورأى أن الوسطية منهج وفكر ولا تنسحب على معنى الدين فقط ، إنما من المؤكد ان الاسلام يحترم الوسطية ويدعو الى الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي احسن.

العبيدي
وتناول رئيس مركز الدراسات والبحوث حول الوطن العربي والمتوسط الدكتور حسني العبيدي التحديات الراهنة وفرضية الاداء العربي وتفاعلاته مع الدول الكبرى، مشيرا الى ما أسماه تحديات الازمات المفتوحة في المنطقة العربية، والطموح الايراني، والعنف في كل مستوياته، وتوفير الامداد النفطي، والحرب في افعانستان وتداعياتها، وتقلبات الازمة المالية العالمية والتغيرات المناخية.

وقال: ثمة عجز عربي في مواجهة التحديات نظرا الى فشل عملية السلام العربي الاسرائيلي، وان ثمة اقتناعا بان الادارة الاميركية غير راغبة في ايجاد حل للنزاع العربي الاسرائيلي، وأن دولا متوسطة الحجم استغلت الفراغ السياسي الذي اوجدته الولايات المتحدة في المنطقة كالفراغ في العراق للتدخل في شؤون الدول الأخرى.

اضاف: إن الفراغ الجيوسياسي في المنطقة العربية للتعامل مع التحديات المطروحة في الدول العربية، نجم عن الضعف العربي، وهذا يدفعنا الى المناداة بضرورة تحصين البيت العربي.

وإعتبر ان ليس هناك خلاف بين الدول الكبرى حيال طريقة تعاملها مع دول المنطقة. وخلص الى أن انعدام الحلول الجدية لمشكلات المنطقة هي من مصلحة الولايات المتحدة التي تريد ان تبقى الامور على حالها. وتناول الخلافات الدولية بين دول الحلف الاطلسي. ورأى ان الانظمة السياسية العربية تعجز عن جبه التحديات الكبرى، ولكنها يمكن ان تفيد من الازمات الدولية المفتوحة وان تناقش مسائلها على نحو يخفف من ازماتها الداخلية.

الزويري
ولفت مدير مركز الدراسات الدولية – الاردن الدكتور محجوب الزويري الى مفردات الصراع والخلاف، وقال: ليس في القاموس السياسي كلمة “صراع” بل صراعات. وفي السياق عينه عن أي شرق اوسط نتحدث عنه، اذ ثمة شرق اوسط عربي وشرق أوسط غير عربي (تركيا، ايران).

وقال: إن من يدرس اوضاع الشرق الاوسط يتحدث عن متغيرات الخصخصة في الاقتصاد وكيف تعاملت دول الشرق الاوسط مع هذه الخصخصة، إذ اصبحنا نعيش في ظل شركات وليس في ظل دول، وثورة المعلوماتية بمعنى ان الكل اصبح يطال المعلومات ولم تعد حكرا على احد دون آخر، ودور اللاعبين الدوليين، اي أن ثمة اطرافا اخرى تلعب دورا فاعلا في الدول الصغرى، وعن الدولة الفاشلة.

وخلص الى ان هذه المتغيرات تعني ان ثمة خطرا على الدول العربية. وقال: ولدت الازمة الاقتصادية كي تعصف بشدة في دول الشرق الاوسط وتزيد من الاخطار عليها. وخلص الى ضرورة التعاون بين الدول العربية وايران بغية جبه عدوهم الواحد، وهي إسرائيل، وتلمس الحلول التي تفيد المنطقة العربية.

سارابيوف
وتناول البروفسور الكسي سارابيوف من معهد الدراسات الاستراتيجية – روسيا القضية الفلسطينية والنزاع العربي الاسرائيلي، وقال: إن مسألة هذا النزاع مرتبطة بمسألة اللاجئين الفلسطينيين، وأن معالجة مشكلة اللاجئين يجب ان تنسحب على المخيمات في لبنان. واعتبر ان الدولة الروسية ناشطة في مشاركتها في مؤتمرات الدول الاسلامية وغيرها بغية ايجاد الحلول الناجعة للمشكلة الفلسطينية. ودعا الى تعزيز العلاقات والروابط الانسانية للوصول الى تحليل محايد للازمات التي تنشأ بين الشعوب. وتحدث عن دراسات تتعلق بعلوم التاريخ والاسلام والتركيز على البعد السوسيولوجي للدول العربية وكلها تفيد في التقارب مع العالم الاسلامي، فضلا عن افتتاح المركز الاسلامي في روسيا لتعزيز الوسطية تحت شعار التعاون بين الثقافات والحضارات.

واكد أن المركز الاسلامي في روسيا يعطي نتائج باهرة على صعيد تشجيع الروابط بين الديانات بغية الحد من التوترات في منطقة الشرق الاوسط. وقال إن روسيا اعتمدت مقاربة متوازنة وحيادية تسمح لها أن تلعب دور الوسيط والحكم بين الدول المتنازعة، وهي تسعى الى تحقيق الاستقرار في المنطقة وتساهم في ذلك.

وفي المداخلات خلصت اراء الى ضرورة قيام تحالف او تعاون عربي – تركي – ايراني لجبه الاخطار الاسرائيلية المحدقة بالامة، في حين لاحظت اراء اخرى ان لايران اطماعا في المنطقة تجعل منها غير مستقرة، وراى البعض الثالث أن الامر يختلف بالنسبة الى تركيا التي تمارس سياسة انفتاحية بعيدة عن الاطماع. وشددت الأراء على أن اسرائيل هي عدو الفكر القومي العربي وتريد اسقاطه.

كذلك عقدت جلسة عن “القضية الفلسطينية والتحولات السياسية في الشرق الاوسط” رأسها رئيس الوزراء الاردني السابق الدكتور معروف البخيت فاشار الى ان جذور المشكلة الفلسطينية تعود الى حربي 1948 و1967 وقد صدر العديد من القرارات الدولية في شأن هذه القضية وفشلت في معظمها.

واكد ان الولايات المتحدة هي الوسيط الاول بين العرب واسرائيل، معتبرا انها غير قادرة على تحقيق السلام في المنطقة. وقال ان الحكومة الاسرائيلية الحالية يمينية متطرفة لا تؤمن بحل الدولتين وتريد ان تسود السيادة الاسرائيلية على كل الاراضي الفلسطينية، مشيرا الى التراجع الاميركي التكتيكي عن ايجاد حل للقضية الفلسطينية.

وقال: في المقابل ثمة دعاية صهيونية توحي بانحياز الرئيس الاميركي الى جانب حقوق الفلسطينيين. واعتبر ان الموقف الاسرائيلي يريد ان يجر مسألة الصراع في وضعه الراهن حتى نهاية هذه السنة في ظل الشلل العربي والشرذمة التي تصيب الجسد العربي.

النسور
ورأى النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء الاردني ووزير الخارجية الاسبق الدكتور عبد الله النسور ان المنطقة العربية تشهد تحولات ابرزها ان العرب اسقطوا خيار الحرب مع اسرائيل على خلاف اسرائيل التي لم تسقط هذا الخيار، وسيطرة اليمين الاسرائيلي في الحكومة وانفراده بالسياسة الاسرائيلية المتطرفة، وانتهاء شعار الوحدة العربية، وتراجع الدولة المصرية عن دورها في قيادة الامة. وسأل اين مصر فكرا وقيادة وعلوما وسياسة وإعلاما ودينا، مشيرا الى تخلي ادارتي جورج بوش الابن وباراك اوباما عن توريد الديموقراطية الى العالم العربي، اذ اعفتا الانظمة العربية بالتوجه اليها على صعيد حقوق الانسان، اضافة الى انبعاث الدور التركي الذي لم يحسب له حساب بحيث اصبحت تركيا شريكا فاعلا لا يمكن نكرانه. وذكر ان ثمة تحولا آخر هو تعذر استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية على ابسط القواعد المشتركة، وتآكل السلطة الفلسطينية، فضلا عن انكفاء العراق، هذه الرافعة العربية الهائلة من اجل انقاذ الامة، وانغماس الامة العربية والاسلامية من شرقها الى غربها ومن المحيط الهاديء الى المحيط الاطلسي في مكافحة التطرف الاسلامي.

وقال:إن هذه التحولات السلبية لا يقابلها تحول ايجابي واحد، مشيرا الى اهمية الحق العربي في فلسطين.

منصور
ورأى المشرف على مركز الدراسات الاستراتيجية في معهد الدراسات الديبلوماسية في وزارة الخارجية السعودية الدكتور منصور بن عبد الله منصور أن الحديث الدولي متواصل من اجل تفعيل عملية السلام العربي الاسرائيلي. وقال ان الظروف العربية الراهنة توحي بان الطريقة الوحيدة لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي هو عبر الوسيلة السياسية، اي بالحوار السياسي. وحتى تتوصل الاطراف المعنية الى هذه القناعة فانه لا بد من ان تعمل على التخلي عن الحل بواسطة السلاح.

وإعتبر أن ثمة توجهات سياسية جديدة تعتبر إيجابية لدى الولايات المتحدة الاميركية وتصب في مصلحة السلام بين العرب واسرائيل، وخصوصا ان الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على القيام بقيادة الحوار بين اطراف النزاع لانها تملك الادوات القوية في ظل اختلال ميزان القوى بين الاطراف.

وذكّر أن الولايات المتحدة تملك وسائل التأثير في المنطقة ولديها توجهات جديدة نحو المنطقة على اثر احداث 11 ايلول 2001، بغية تسوية الصراع، وثمة بوادر كثيرة تدلل على هذه التوجهات، اذ إن بعض النخب الاميركية بدات تدرك ان انحياز الولايات المتحدة لسياسة اسرائيل، كبدها خسائر سياسية في منطقة الشرق الاوسط، بالتزامن مع ظهور بداية فهم اميركي للقضية الفلسطينية، وانفتاح اميركي على العام العربي والاسلامي.

وقال نحن امام مشهد اميركي في طور التطور ولكن لا نعرف الى اي مدى سيأخذ هذا التطور مداه، انما علينا ملاحقة هذا التطور وخصوصا اذا وجدنا ان الوضع الدولي بات يأخذ على اسرائيل تماديها في اعتداءاتها على الفلسطينيين.

موسى
وتناول محرر الشؤون الاسرائيلية في جريدة “السفير” اللبنانية حلمي موسى التغيرات الاسرائيلية الداخلية، ملاحظا ان الميل السياسي داخل اسرائيل هو يميني متجذر رغم ظهور حركة السلام الآن بعد حرب تشرين 1973. وأشار الى ان الدولة الفلسطينية باتت مطلبا إسرائيليا، إنما الخلاف بين الاسرائيليين أنفسهم هو حول ماهية هذه الدولة وكيف سيكون حجم سكانها.

وأكد أن اليمين الاسرائيلي بات اكثر وحشية وما كان يقبل به قبل سنوات ما عاد يقبل فيه الان، لافتا الى أن إسرائيل باتت تدرك انها ما عادت تستطيع ان تقود حروبا لتحقق انتصارات كاملة وباتت تخاف من الاقدام على السلام في الوقت عينه لانها تجهل مصيره المستقبلي، وهذه مفارقات علينا ان نأخذها في الاعتبار.

وخلصت المداخلات الى ان النزاع العربي الاسرائيلي شهد تطورات دراماتيكية من دون ان يحقق حلا عادلا نظرا الى تعنت الجانب الاسرائيلي وحيازته السلاح المتطور مما يحدث خللا فادحا بين العرب واسرائيل. ولاحظت ان الاتحاد الاوروبي بات يظهر تعاطفا واضحا مع اسرائيل، فضلا عن التأثير الفاعل للوبي الصهيوني في السياسة الاميركية.

كما عقدت تحت عنوان “من اجل عالم جديد” ترأسها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الاردني السابق الدكتور عبد الله النسور، الذي أشار الى ان لبنان غني بالكفايات وانه سيظل منارة للعالم العربي. وقال: تناولنا في خلال المؤتمر موضوعات الصراع على الوجود، وان طبيعته صراع الحضارات، وصراع الاستحواذ على الارض والمقدرات والتاريخ. واعتبر ان ضابط الايقاع العربي مفقود، وسأل اين نحن من الدولة التي تحمي الامة؟ ولفت الى المؤشرات التي اطلقها المفكرون والعلماء، معتبرا انها مؤشرات اقتصادية واجتماعية تدلل على التخلف والامية ومعاداة التعليم، والتخلف في ميدان المرأة، والتخلف في البحث العلمي والابداع.

أغلو

ولفت البروفسور برهان كور أغلو، من كلية الالهيات في جامعة مرمرة في تركيا الى عمليات التغيير التي شهدتها تركيا على صعيد الحريات واتجاهها الى دعم القضايا الاقليمية حيث وقفت الى جانب لبنان وفلسطين في مواجهاتهما الاعتداءات الاسرائيلية.
وقال اضحت تركيا تثير اهتمام كل الدول في الشرق والغرب وخصوصا بعد سلسلة احداث سياسية شهدتها تركيا اخيرا، مشيرا الى الصحف العالمية التي تناولت في الاونة الاخيرة توجه تركيا السياسي نحو الشرق.
واضاف ان موقف تركيا الجديد تجاه الدول العربية والاسلامية يؤكد دورها المركزي الفاعل في منطقة الشرق الاوسط، اذ ان تركيا تتجه نحو الشرق وفي الوقت عينه نحو الغرب، أي انها تتوجه في كل الاتجاهات وبانفتاح كبير.
واردف ان تركيا تؤمن بحقوق الانسان وتعمل على ارساء قواعد هذه الحقوق في علاقاتها الدولية، معتبرا ان تركيا من اكثر الدول ثراء في المنطقة.
وقال ان ظهور تركيا على الساحة الدولية يعود الى اخفاق الولايات المتحدة الاميركية في حربها في العراق وفشل السياسات الاوروبية في الشرق الاوسط، ونمو الاقتصاد التركي، واستمرار عملية التحديث السياسي على صعيد الديموقراطية.
وخلص الى القول ان تركيا هي البلد الوحيد الذي اندمج بقيم الحداثة ويشهد توازنات دولية ناجحة، وما من احد من الدول نجح مثل تركيا في نسج العلاقات الدولية في منطقة الشرق الاوسط.

العلاف

ورأى رئيس وحدة الدراسات الاقليمية في جامعة الموصل في العراق البروفسور ابراهيم العلاف ان العرب يعانون اختلالات في بنيتهم الثقافية والعلمية. وقال ان النظام العربي يعاني ارهاقا في بنيته. واشار الى مشروع الشرق الاوسط الكبير، معتبرا ان الاصلاح الذي ياتي من الخارج يؤدي الى انهيار الدول من الداخل.
واعتبر انه في ضوء الاصلاح الذي جرى في مطلع القرن العشرين يدلل على اننا نتمتع بمرونة من اجل المضي في المزيد من الاصلاح. وقال اننا نحتاج الى الاعتراف بالاخر والتسامح.
وسأل من هو المؤهل لقيادة النهج الوسطي؟ اجاب انهم ابناء الطبقة الوسطى التي تعاني تدهورا وتعديات حيث تفككت من جراء طغيان الطبقات الغنية، ومن الطبقة الوسطى خرج المثقفون الداعون الى التحرر الثقافي بعيدا عن القيود والانظمة، لذا لا بد من توسيع الطبقة الوسطى وزيادة مشاركتها في التجارة العالمية.

سوكانيان

وقال البروفسور لينورد سوكانيان من جامعة موسكو ان الوسطية خطاب استراتيجي بين الغرب والشرق. ولفت الى التحديات التي تواجه العالم الاسلامي وابرزها العولمة والاصلاحات السياسية داعيا الى مناقشة الفكر الاسلامي من هذه التطورات ومسألة الحوار بين الاسلام وبقية العالم.
واعتبر ان التغيرات في العالم الاسلامي من الصعب سبرها من دون مناقشة الفكر الاسلامي، مشيرا الى ان فكرة الوسطية ستثبت فاعليتها بالاعتماد على الدراسات واقطاب الفكر الاسلامي الحديث.
ورأى ان الوسطية ليست انتاجا فكريا، بل ان الشريعة الاسلامية تحدد في كثير من افكارها ومبادئها الوسطية عبر التوفيق بين الجزئيات والثوابت، بين الكلي والخاص، وهذا التوفيق في حال تطوره مع الوقت سيصبح منهاجا للتواصل مع الافراد والدول ايضا.
وقال ان الوسطية تحدد اهداف الحوار ومواضيعه واساليبه باعتبار ان الغاية لا تبرر الوسيلة، والتركيز على الحوار بالعقل والسعي الى العمل ونبذ العنف والتطرف والارهاب. وخلص الى ان الوسطية تستجيب لحوار الاديان بين الاقليات والاكثريات، لافتا الى ان الحضارة القوية لا تخاف الحوار والتبادل وتستفيد من الغير وتفيد الآخر، والاسلام افاد الحضارات على مستوى الفكر والحوار، ومشيرا الى اهمية الاخلاق والقانون في احقاق الوسطية والمضي في ترسيخها التي تعتبر مطلبا عصريا.

اسماعيل

واخيرا تحدث رئيس برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات – مصر البروفسور سيف الدين عبد الفتاح اسماعيل عن الوسطية في الشريعة الاسلامية التي تؤكد حوار الحضارات بين الشعوب.
وقال ان هذا الكلام يؤكد ان الاختلاف بين الشعوب سنة كونية وان التعدد حقيقة اساسية وان التعارف يشكل العملية الحقيقية وياتي من معرفة الآخر والاعتراف به، لافتا الى خطاب المقاصد الذي يتعلق بالدين والنفس والعقل والمال.

ثم أعلن عن ختام اعمال المؤتمر.

الرئيس ميقاتي في المؤتمر الدولي الثالث للوسطية: صنو الاعتدال وحماية من الجنوح


الرئيس ميقاتي في المؤتمر الدولي الثالث للوسطية: صنو الاعتدال وحماية من الجنوح
20/4/2010 – أكد الرئيس نجيب ميقاتي “أن الوسطية هي صنو للاعتدال وحماية من الجنوح نحو التطرف، وقد غدت النهج الذي من خلاله نستطيع مواجهة ظاهرة التطرف التي اقتحمت باشكال مختلفة منطقتنا العربية واربكت دولها وانظمتها واحرجت شعوبها”. وشدد على “أنه إذا كنا في لبنان قد استعدنا السلم الاهلي والاستقرار الداخلي بعد سنوات من التنابذ وصلت الى حد الاقتتال والانقسام الحاد، فلأننا سلّمنا كلبنانيين بان الوسطية هي الناظم الحقيقي لمعادلات العيش الواحد وتوازنات الحكم في الدولة، وهي الضامن الحقيقي للوحدة الوطنية ومقياس لعلاقات لبنان بدول محيطه العربي والعالم اجمع”.

بدوره شدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بدر عمر الدفع على “ان موضوع الوسطية يلتقي مع مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها المتجلية بالميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة به ويتماثل مع روحية المنظمة الدولية وعلة وجودها في السعي إلى تحقيق السلام والتنمية”. وأكد “أن القرارات المصيرية التي اتخذتها الأمم المتحدة على مدى السنوات العشر الأخيرة، وعلى رأسها الأهداف الإنمائية للألفية، تنبع من مبدأ الوسطية”.

رعى الرئيس ميقاتي قبل ظهر اليوم حفل إفتتاح المؤتمر الدولي الثالث للوسطية في لبنان بعنوان “الوسطية ونهج الاستقرار في الشرق الأوسط” في فندق الفورسيزنز في وسط بيروت، وذلك بدعوة من “منتدى الوسطية في لبنان” و”منتدى إستشراف الشرق الوسط”.

حضر حفل الافتتاح ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي بزي، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير الاعلام طارق متري، وزير الاتصالات شربل نحاس، النواب :احمد كرامي، ياسين جابر، روبير فاضل، اسطفان الدويهي، فادي الهبر، غسان مخيبر، خضر حبيب، عقاب صقر، بدر ونوس وفؤاد السعد، الشيخ هشام خليفة ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الشيخ فاضل سليم ممثلا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الارشمندريت سيرافيم بردويل ممثلا متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، رئيس مجلس الخدمة المدنية خالد قباني، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس، بالاضافة الى شخصيات ديبلوماسية، سياسية، تربوية، إجتماعية، عسكرية، بلدية، أهلية وفاعليات.

وقائع الاحتفال
بداية كلمة لعريف الحفل الزميل نزيه الأحدب ثم كلمة “منتدى استشراف الشرق الأوسط” ألقاها جو عيسى الخوري وجاء فيها: لقد أراد دولة الرئيس نجيب ميقاتي من خلال دعم هذا المنتدى، أن يؤسس واحة تلاقي لجميع الأفكار، من مختلف الأتجاهات، من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة، تشكّل ركناً أساسياً لاطلاق إستراتيجيات سياسية وإقتصادية وإجتماعية، تهدف إلى تطوير حياة المواطن من خلال السعي لتحقيق الأمن الإجتماعي والرخاء الإقتصادي لكل فرد في مجتمعات منطقتنا.

أضاف: إن مؤتمرنا هذا يهدف إلى إيجاد إستراتيجية إقليمية بين جميع الأطراف من أجل بناء أرضية مشتركة لسلام شامل ودائم مع معالجة إستمرار التفاوت بين مؤسسات القرن الماضي وتحديات القرن الحادي والعشرين. أود أن أستشهد بكلام الرئيس الأميركي السابق كلينتون الذي قال: “أن السياسة الأميركية الداخلية تكون أحياناً غير مستقرة، فقد نميل إلى اليمين أو إلى اليسار لكننا نعود في النهاية إلى الوسط لأننا نحاول أن نكون براغماتيين، لا يمكننا أن نكون إيديولوجيين – لأن الشعب يريد حلولاً واقعية ومعقولة.

وزير خارجية تركيا
وألقى كلمة وزير خارجية تركيا احمد داوود اوغلو ممثله شكري كوميتو فلفت الى أهمية العلاقات التركية اللبنانية مشدداً على “أنه تربط تركيا بلبنان علاقات سنظل نحافظ عليها عبر المشاركة في القوات الدولية في جنوب لبنان، واعادة اعمار لبنان”.

أضاف: نشهد مرحلة حساسة في منطقة الشرق الاوسط المليئة بالتحديات التي تدعو الى ايجاد الحلول واعتماد نموذج للتخلي عن احكام مسبقة وإبعاد المنطقة عن النزاعات، وأنا على ثقة باننا قادرون على اعتماد معايير بغية ارساء الاستقرار واقامة الحوار السياسي وتدعيم الحوار، وخصوصاً الحوار المستقل من اجل ان يبلغ اهدافه المرجوة.

واشار الى “مبادرة تركيا لاعتماد آلية استراتيجية لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي وتطبيع العلاقات، واقامة الدولة الفلسطينية تكون عاصمتها القدس الشرقية، وتعيش الى جوار اسرائيل”. وقال “إن معوقات السلام العربي الاسرائيلي تعود الى التعنت الاسرائيلي”، ودعا “الى وقف النشاطات الاسرائيلية ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ومعالجة الوضع الانساني غير المقبول في غزة”. وختم: القدس مسألة حساسة يجب التصدي لمحاولة تغيير نسيجها، وتضافر الجهود بغية حماية إرثها الديني والتاريخي.

الصادق المهدي
والقى رئيس المنتدى العالمي للوسطية والرئيس السابق لحكومة السودان الصادق المهدي كلمة قال فيها: الوسطية لا تعني نصف المسافة بين الحق والباطل، خير الأمور أواسطها بمعنى أفضلها. الاستقرار لا يعني تكريس الواقع أي استقرار المقابر، لا استقرار بلا سلام ولا سلام بلا عدالة، فالاستقرار مفهوم دينامي غير جامد. الاستقرار النفسي يقوم على شعبتين هما: الإيمان والمحبة في العلاقات بين الناس. أما الاستقرار الاجتماعي فلا يكون بلا سلام، والسلام يقوم على العدل. إنها قيم من أهم فرائض الإسلام التي تقوم على الخماسية الذهبية: الكرامة، الحرية ، العدل ، المساواة، والسلام.

أضاف: هنالك خمس عوامل تتعارض مع هذه المبادئ وتطيح بالاستقرار في منطقتنا. اثنان داخليان هما: الاستبداد، والظلم الاجتماعي. وثلاثة خارجية هي: الاستيطان الصهيوني الغاصب، الاحتلال الأجنبي، والهيمنة الثقافية الغربية.

وقال: الغلو الإسلاموي ليس واجباً إسلامياً ولا هو ضرب من الجنون بل هو ظاهرة سياسية استمدت من إخفاق الأطروحات العلمانية واليسارية في رفع المظالم، ومن العدوان الإسرائيلي، ومن الاحتلال السوفياتي ثم الأميركي. رواد الهيمنة الدولية أرادوا إملاء سياساتهم على العالم، ويرون أن الغلبة العسكرية عن طريق الأحادية والاستباقية كافية لذلك. وفي كل الحالات؛ من أفغانستان، إلى العراق، إلى الصومال، حققت هذه السياسة عكس مقاصدها. إن الوسطية هي المخرج من هذه الدوامة المقيتة، ومشروع الوسطية هو البديل إذا استطاع أن يحشد معه القوى الاجتماعية الفاعلة، وأن يتعاون مع القوى الدولية التي استبانت خطأ وخطر الهيمنة والحاجة لنظام دولي اعدل وأفضل.

مؤسسة ثقافة السلام
ووجه رئيس مؤسسة ثقافة السلام في مدريد فريديريكو مايور زاراغوزا كلمة متلفزة الى المؤتمر قال فيها: إن هذا المؤتمر هو مبادرة في وقتها، من خلال انعقاد مؤتمر الوسطية الذي يندرج في سياق نهج الاستقرار في الشرق الاوسط. من هنا اهمية العمل.

أضاف: لدينا التشخيص الحقيقي، وحان الوقت للتحرك، وعلينا التشديد على امرين أساسيين هما الآفاق والوساطة. المستقبل مهم وعلينا استخلاص العبر من اجل الاجيال المستقبلية.

وقال : كثيرة هي الامور من الواجب ذكرها او نسيانها لانها من الماضي، فضلا عن ضرورة الانفتاح على رؤية الامور المجدية والتحلي بالجسارة للخروج من جمود الماضي والنظر الى المستقبل. إن آفاق منطقة الشرق الاوسط تكمن في أن الوساطة تحدث التغيير. بعض المجتمعات يلجأ الى القوة والهيمنة وحل مشكلاته من خلال التعبير عن القوة، بينما مطلوب راهناً الاقتراب من الآخر والتبادل مع الآخر.علينا ابتكار الحلول نظراً الى الانقسامات المزمنة في العالم. فقد عشنا في برج عاجي لسنوات حيث استحالت علينا عملية فتح الابواب لفهم الآخر واقامة تحالفات هي ثمرة الحوار.

أضاف: الوساطة تحقق المصالحة وتوجد حلول للمشكلات. نحن مدعوون الى ابتكار حلول غير مسبوقة من اجل المستقبل، ومن اجل احداث التغيير المرجو . يجب مراعاة المرحلة الانتقالية والانتقال الى ثقافة المصالحة والسلام وهذا مُجد ويستلزم منا الاعتراف بالآخر من حيث المساواة بالكرامة، وبين مختلف الكائنات البشرية مهما كان وعيها الاجتماعي وانتماءاتها، والتمتع بالمساواة في الحقوق.

وقال: نحن مدعوون الى رص الصفوف والعيش معا ونسيان الماضي وإستخلاص العبر والاعتراف بدولة فلسطين وأن يعزز الشعور العام بالاعتراف المتبادل. حان الوقت للتحلي بالشجاعة وتسخير وسائل التكنولوجية كالرسائل القصيرة للتحاور واحداث التغيير الذي ينجم عنه السلام.

مجموعة الرؤية الاستراتيجية
وألقى منسق مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا والعالم الاسلامي السفير فوق العادة فينيامين بابوف كلمة قال فيها: من الأهمية بمكان أن نستخلص أمثولة مناسبة من تجربة لبنان المفيدة وهو بلد تمكن بعد سنوات طوال من المواجهة الداخلية المؤلمة من تخطي التناقضات الأليمة، وتضميد جراح الحرب الأهلية وهو الآن يحقق ولادته من جديد. وليس لمثل لبنان الإيجابي هذا أبعاد وطنية وإقليمية فحسب بل له أيضا أبعاد إنسانية أوسع. لأنه يؤكد أن النوايات الحسنة، وقوة الإرادة، والثقة المتبادلة والحكمة الطبيعية يمكن أن تحقق معجزات وتؤدّي إلى انتصار مفيد للجميع. والبديهي ان الاستقرار في لبنان هو ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة ككل ويجب الاّ ندّخر أي جهد للحفاظ على ذاك الاستقرار واستدامته.

أضاف: إن الأحداث الأخيرة التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط وبصورة خاصة في النزاع العربي الإسرائيلي تؤكّد ولأسفنا الشديد أنّ الوضع هناك يزداد حدّة أكثر فأكثر ويقترب من خط الخطر، وحتى من شفير الحرب تقريبًا. وهذا الوضع الدقيق والحاد جدًّا هو النتيجة المباشرة للحائط المسدود الذي وصلت إليه عملية التفاوض كنتيجة لموقف حكومة نتانياهو المتشدّد والوقح. ويتفاقم الجوّ ككلّ بسبب النزاعات المتعددة التي تعانيها شعوب المنطقة في الوقت نفسه. ونحن الآن، أكثر من أيّ وقت مضى، بحاجة إلى أعمال مشتركة وصادقة لا إلى كلام يسعى إلى استراتيجيات براغماتية وواقعية لإيقاظ وعي الأطراف المعنية في عملية الشرق الأوسط كافة واعتماد مقاربة تؤدّي إلى سلام عادل ودائم.

وقال: إن الوقت قد حان لنفكّر بطريقة عملية وبراغماتية في مشاريع استراتيجية مشتركة مع البلدان الإسلامية والعربية مثل خطّ انابيب للمياه، وإنتاج الحبوب، ومشاريع بيئية، وفي مجال الطاقة المتجددة، والمحافظة على الطبيعة وغيرها من مجالات. وبرأينا إنّ النظرة المستقبلية الجيّدة قد تشمل مبادرة شراكة الحضارات يمكن أن يعرضها مفكّرون روس بالشراكة مع مفكّرين عرب. على أن يرتكز هذا التحرّك على مبدأي المساواة والتسامح. كما أنّ مضمونها وتصميمها يتمثّلان في رفض الحرب كوسيلة لحلّ النزاعات، وإنشاء مراكز للدبلوماسية الوقائية وابتكار حلول مقبولة من الأطراف كلها للتناقضات والنزاعات.

الاسكوا
وألقى بدر عمر الدفع كلمة قال فيها: يلتقي موضوع الوسطية مع مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها المتجلية بالميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة به ويتماثل مع روحية المنظمة الدولية وعلة وجودها في السعي إلى تحقيق السلام والتنمية. فالوسطية هي السبيل إلى تعزيز احترام الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية بلا تمييز في الجنس أو العرق أو اللغة أوالدين. وهي مقاربة حضارية راقية في الدعوة إلى الحوار وقبول الآخر ووضع الأسس اللازمة لتعميم الديمقراطية ليس كممارسة فحسب بل كثقافة يتربى عليها الفرد والمجتمع بطريقة منظمة وسُلّمية متدرّجة تستمد قوتها من إرث الحضارة الإنسانية التي تمكنها من التفاعل والتجدد مع واقع الإنسان وبيئته ومع الفكر وتطوراته.

أضاف: يرتكز النهج الوسطي على النقد البنّاء ومراجعة الذات من أجل التفاعل بطريقة سليمة مع مصالحنا السياسية والاقتصادية ومع الظروف المحيطة بنا. وفي هذا الإطار، يجب السعي إلى بناء السلام مع أنفسنا وفي ما بيننا أولاً حتى نتمكن من تقرير مصيرنا بأيدينا وبناء السلام مع الآخرين على أساس الحلول العادلة والشاملة. وقد أدركت منظومة الأمم المتحدة، بما فيها الإسكوا، أن المعضلات المحلية يجب أن تأتي حلولها أيضاً محلية مع الاستفادة من تجارب الآخرين. فلا أحد يعرف شعاب منطقتنا وخصوصياتنا أكثر منا. ولا أحد يدرك قدراتنا أكثر منا.

وقال: ترتبط الوسطية بالعمليات الإصلاحية المتأنّية. فتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالتدرج، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية في المنطقة، يمكّن من التقدم والتطور وتحقيق الإنجازات بمنأى عن الهزّات العنيفة التي تزيد من حدة عدم الاستقرار. ويساعد ذلك على توجيه سلوك المجتمع نحو الاعتدال. وكلما تمحورت العملية الإصلاحية حول الإنسان والتنمية البشرية، اتجهت غالبية المجتمع نحو الوسطية.

وتابع: إن القرارات المصيرية التي اتخذتها الأمم المتحدة على مدى السنوات العشر الأخيرة، وعلى رأسها الأهداف الإنمائية للألفية، تنبع من مبدأ الوسطية. فحكومات المنطقة مدعوة، أكثر من أي وقت مضى، إلى القيام بجهود حثيثة نحو تحقيق هذه الأهداف. وبذلك تتراجع أسباب التطرف النابع من الحرمان والفقر والقمع وعدم التمتع بالخدمات الصحية والتعليم وغيرها من الحقوق.

وقال : تؤمّن الوسطية مساحة رحبة من المشاركة في العملية الإنمائية لشرائح المجتمع كافة. لذلك، لابد لحكومات المنطقة من إعطاء الشباب اهتماماً خاصاً من خلال إرساء سياسات شبابية متكاملة في سياق البرنامج العالمي للشباب حتى سنة 2000 وما بعدها الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 1995. وقد قررت الأمانة التنفيذية للإسكوا التركيز على موضوع الشباب في مجلسها الوزاري السادس والعشرين الذي يُفتتح بتاريخ 19 أيار المقبل، من خلال حوار بناء بين الشباب اللبناني والعربي والوزراء المشاركين.

وتابع: في إطار مبدأ المشاركة، من الضروري إعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر وتعزيز تعاونه مع القطاع العام بهدف خلق طبقة وسطى وحمايتها وازدهارها إذ أنها عامل أساسي في إرساء الاستقرار والرادع أمام تعثر النظام السياسي والتطور الاقتصادي. هذا بالإضافة إلى أنها أحد المحركات الثقافية والفكرية الرئيسية في المجتمع التي تسعى إلى تحسين الحياة السياسية والاقتصادية بكل تشعباتها.

وختم: إن واقعنا الحالي في الشرق الأوسط لا يجب أن يسبب ذعراً أو هلعاَ بقدر ما يجب أن يشكل حافزاً للخروج من دوامة الحروب والتعصب والفقر وغياب العدالة كما فعل غيرنا من الشعوب. لكن الحافز وحده لا يكفي، ولا النوايا الصادقة وحدها تكفي ولا حتى الجهود الجبارة التي تُبذل وحدها تكفي. فكل ذلك ضروري لكنه لن يصل إلى النتيجة المتوخاة من دون رؤية واضحة تنبع من نهج الوسطية وتمكننا من أن نرى الأشياء على حقيقتها ونفهمَ مكامن الخلل ونبصرَ الطريق إلى بناء مجتمعات عربية يسودها السلام بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الرئيس ميقاتي
وألقى الرئيس ميقاتي كلمة قال فيها: ليس صعباً على من يتتبع احوالنا في منطقة الشرق الاوسط، ان يدرك، من دون كبير عناء، أن اهم ما يشغلنا في هذه المرحلة من حياتنا هو الوصول الى السبل الممكنة لحل النزاعات التي تعاني منها دولنا نتيجة الاطماع المتراكمة والتسلط ومحاولة فرض ارادة الغير على ارادتنا وقراراتنا وثوابتنا.

أضاف: لا يختلف اثنان على ان المنطقة العربية تمر في حالة عدم إستقرار بفعل المتغيرات والتحديات، مما يجعل دولها تعيش حالاً من الصراع الوجودي للدفاع عن استمراريتها ودورها. ومن البديهي ان يتركز البحث على ضرورة ايجاد الطرق السلمية لمعالجة مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدقة، مما يفرض اعتماد منهجية علمية وواقعية تكون فيها الحقيقة المرتكز الاساس. وهنا تكمن اهمية المواضيع التي سيناقشها مؤتمركم متصدياً للمسائل الحساسة مثل التطرف وصناعة الحروب الدينية، وضعف الامان الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن واقع القضية الفلسطينية وما آلت اليه، والوضع في العراق، من دون ان ننسى لبنان الذي مرّ باستحقاقات حساسة وخطيرة استطاع تجاوزها على امل الا تتكرر في ظروف مختلفة. بكلمة واحدة نريد الاستقرار.

وقال: لو عدنا بالذاكرة الى القضايا الوجودية التي واجهت دولا وشعوبا في منطقتنا وخارجها، لوجدنا ان الكثير من المواجهات والحروب كانت تجد نهاية لها من خلال اعتماد حلول وسطية يلتقي حولها افرقاء النزاعات، حيث لا منتصر ولا منهزم، بل توافق يقوم على مفاهيم العدل والاعتدال والتوازن التي تختصرها الوسطية وهي فكر وعقيدة ونهج يشمل كافة مكونات الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث الانسان هو القيمة الاساسية والمحورية التي يجب العمل على اغنائها وتطويرها.

واذا كنا في لبنان استعدنا السلم الاهلي والاستقرار الداخلي بعد سنوات من التنابذ وصلت الى حد الاقتتال والانقسام الحاد، فلأننا سلّمنا كلبنانيين بان الوسطية هي الناظم الحقيقي لمعادلات العيش الواحد وتوازنات الحكم في الدولة، وهي الضامن الحقيقي للوحدة الوطنية ومقياس لعلاقات لبنان بدول محيطه العربي والعالم اجمع.

وتابع: لقد اقتنع الافرقاء في لبنان ان الحق المطلق ليس مع طرف منهم، وان الخطأ بالمطلق ليس سمة مواقف الطرف الاخر، فعادت لغة المنطق والاعتدال لتسود في ما بينهم، فكان اتفاق الطائف الذي طوى حقبة أليمة من تاريخ لبنان، وارسى صيغة حكم تحفظ ثوابت الكيان وتوازنات الدولة.

ولعل التجربة اللبنانية جديرة بان تكون مثلاً يُحتذى في عدد من الدول التي تواجه اوضاعاً مماثلة لتلك التي واجهها لبنان، او تكون قريبة منها. ويحضرني هنا مثل العراق الشقيق الذي نتطلع جميعاً الى ان يستعيد دوره المميز في محيطه العربي وفي المجتمعات الدولية، فيجد الاخوة العراقيون في القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمع في ما بينهم، الاطار المناسب للحلول التي يرتضونها على قاعدة العدل والمساواة والتوازن، فينعمون اذذاك، كما نعِم اللبنانيون من قبلِهم، بالامن والاستقرار والهناء. وكما شكلت الوسطية قاعدة للتوافق بين اللبنانيين، هكذا يمكن ان تكون مبادىء الوسطية عنواناً لتلاقي العراقيين في ما يحفظ وحدة بلدهم ارضاً وشعباً ومؤسسات، لاسيما وان الاستحقاق الانتخابي الذي شهده العراق قبل اسابيع، شكّل استفتاء لافتاً لارادة الشعب العراقي الشقيق وتطلعاته.

أضاف: لأن الوسطية التي تلتقون اليوم في ظل منتداها، ايها السادة، هي صنو للاعتدال وحماية من الجنوح نحو التطرف، فانها غدت النهج الذي من خلاله نستطيع مواجهة ظاهرة التطرف التي اقتحمت باشكال مختلفة منطقتنا، واربكت دولها وانظمتها واحرجت شعوبها. واذا كان ثمة من يرى في التطرف خياراً واسلوب عمل يرتكزان على تعاليم الدين، فإننا نرى في المقابل ان هذه المقولة لا تستقيم لان الاديان السماوية، على تعددها، تأمر بالاعتدال وتنهى عن التزمت وتنادي بالتسامح، وتدين العنف الذي يستخدم تعاليم الدين لتبرير نفسه.

وقال: لن تهدأ منطقتنا ما لم تجد القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً يعيد الحقوق الى الشعب الفلسطيني، وفي مقدمها حق قيام الدولة المستقلة في الاراضي الفلسطينية المحتلة التي تحتضن ابناءها في الداخل والشتات. واذا كنا أكدنا ان الوسطية هي نهج الاستقرار في الشرق الاوسط، فلأننا نؤمن بان الوسطية ليست حياداً بين سيادة وتبعية، ولا هي خيار بين احتلال ومقاومة، بل هي المؤمنة بحق الشعب بسيادته على ارضه، وبتحريرها بكل الوسائل المتاحة، لاسيما اذا لم تجد القرارات الدولية التي تحفظ السيادة والعدالة والكرامة والاستقلال وتحرر الارض، طريقاً الى التنفيذ كما هي الحالة اليوم في فلسطين المحتلة في ظل الاعتداءات الاسرائيلية المتمادية على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وعلى الاماكن المقدسة وفي مقدمها المسجد الاقصى وكنيسة القيامة.

وختم بالقول: أمامنا مواضيع عدة للبحث والتحاور في مضامينها، وانا على ثقة بانكم ستُثرون بمداخلاتكم النقاش حول الوسطية التي هي، في النتيجة، الواقعية في السياسة من دون ابتذال، واليسر في الدين من دون تخلّ، والعدل ولو بالقول حين يستحيل العمل. واني اذ اتمنى لكم التوفيق في مناقشاتكم للخروج بافكار وخلاصات تعزز خيار الوسطية كنهج للاستقرار في الشرق الاوسط، يحضرني قول الشاعر الفرنسي الكبير بول فاليري حين يصف غموض القدر وما يخبئه المستقبل للاوطان والشعوب، اذ يقول: “يدخل الانسان باب المستقبل مديراً له ظهره”… ليكن مؤتمرنا اليوم باباً للمستقبل ندخله ونحن نعدو الى الامام بكل ثقة وإيمان بمبادئنا العربية وعزيمتنا لاسعاد شعوبنا…

بعد ذلك بدات جلسات العمل التي تستمر يومين.

على هامش مؤتمر الوسطية ونهج الاستقرار في الشرق الأوسط الصادق المهدي وبابوف حاضرا في منتديات العزم

استضافت منتديات العزم رئيس المنتدى العالمي للوسطية الرئيس السابق لحكومة السودان الامام صادق المهدي و منسق مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا والعالم الاسلامي البروفسور فينيامين بابوف في لقاء حواري بحضورالمشرف العام على جمعية العزم الدكتورعبد الاله ميقاتي وحشد من اعضاء المنتديات في قاعة نادي المنتديات.

بداية القى الدكتور وسيم قلعجية كلمة رحب بها بالضيفين وقدمهما للحاضرين

وقدم الرئيس صادق المهدي بمداخلة رؤيتة الشاملة حول الوسطية التي تنطلق من موقف انساني عام ولا تعني مسك العصا من النصف بل مسكها من المنطقة الافضل ووضع الامور في نصابها وهي بين الاسراف والبخل وهي ان تضع الامور في نصابها
وحدد الرئيس المهدي استراتيجة الفكر الوسطي واهدافه منطلقا من مبدا رفع الظلم الاجتماعي وللحد من التوتر الحاد بين اليمين والشمال مشيرا الى انه الطريق الثالثة تنطلق من برنامج واضح للوسطية لمواجهة قضايا الساعة وهي تحدد اهدافها وخطتها لتكون كالبصر للمكفوف
وقال لاشك ان التوتر الحالي ادى الى ممارسات ارهابية نتيجة الغلو الذي في المنطقة والطغيان والظلم الاجتماعي ، وراى ان العالم اليوم يخضع لطغيان عالمي سببه الاستيطان الذي تمدد في اوطاننا والهيمنة الثقافية ما ادى الى تغذية التوتر في المنطقة ، كما راى ان في عالمنا توجد مواجهات حادة وغلة السلطان الذي يمارس الظلم في المنطقة وهذا واقع الكثير من بلدان العالم والمخرج من ذلك هو التطلع الى الحكم الراشد كرد على غلو الظغيان .
وتحدث ايضا عن موقف الوسطية من استعمال القوة التي ترتكز على الشدة من غير العنف كمقاومة الاحتلال وعدم اعتماد القوة كاساس لحل النزاعات ومواجهة الخصم لانها ليست السبيل الاوحد لتحقيق الاهداف بل ان الحوار هو المبدا وتقبل الاخر مهما اختلفنا معه بالراي .
واعتبر المهدي ان الاسلام دين وسطي يرفض العنف كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة وفي اشد اوقات حياته ولم يقسى على من ظلمه من قريش فكان يستعمل القوة الناعمة التي حققت انجازات كبيرة وعظيمة ودون اللجوء الى العنف
وشدد على ان العنف لم يكن ابدا وسيلة في حل النزاعات وان الطريق الى الصواب يجب ان ينطلق من منطلق فكري وعلمي يعطي لكل ذي حق حقه ويرفع الظلم والطغيان عن الضعيف ويتساوى الجميع امام العدالة والقوانين.

بدوره السفير فينيامين بابوف اشار الى انه في عالمنا اليوم اصبحت وتيرة التغيير مسرعة، ما يستدعي خلق قوانين جديدة للتعاون بين الدول ترتكز على ان القوة ليست حلا في مواجهة الازمات والدليل على ذلك ما حدث ويحدث في العراق وافغانستان دون اي نتيجة عندما استعملت اميركا القوة المفرطة، فانها لو استطاعت ان تحتل ارضا بتفوقها العسكري وقوتها المفرطة لن تستيطع ان تحقق اهدافها .
واضاف بابوف امام تحديات العالم اليوم لا بد الا ان نضع امام اعيننا قضية ايجاد حلول سياسية ومن هنا ياتي دور الوسطية ، وهذه الوسطية ليست مجرد فكرة فلسفية بل هي تراعي المطلوب في مواجهة القمع ومواجهة القوة المفرطة وللحد من الظلم القائم في العالم

وفي الختام جرى حوار بين الحاضرين والضيفين تناول اهم القضايا العالقة في هذا العالم وخاصة في ما يتعلق بالقضايا الساخنة التي تحصل في عالمنا وموقف الوسطية منها كالمقاومة والدفاع عن الارض وطريقة مواجهة التطرف في مجتمعاتنا ومواجهة ما يمكن ان نتعرض له من اعتداء.