بسم الله الرحمن الرحيم
نص الكلمة الختامية لدولة الامام الصادق المهدي
أخي دولة الرئيس نجيب ميقاتي ،
أخواني وأخواتي ،
أبنائي وبنائي
السلام عليكم
ما كان لي أن استجيب لهذه الدعوة الكريمة لولا أنني شعرت أن كثيراً من الحاضرين الذين أحسنوا وأتقنوا محاضراتهم قد ركزوا على الجزء الفارغ من الكون مما أحزن كثيراً منا ، الدكتور منصور مثلاً حصل له إحباط وكثيرٌ منا كان في رأيِ خليق بهم البكاء خصوصاً يا أخي الرئيس المبكيات العشر التي ذكرتها أنت ، وذكر كثيرٌ منا نصوصاً أخرى كلها مبكية ومحزنة .
ولذلك فكرت في أن أساهم بشيء من الكلام عن الجزء المملوء من الكوب ولا شك أن هذه الجلسة الأخيرة كان فيها بعض العزاء في هذا الجزء المملوء من الكوب فأدخلت شيئاً من التوازن……
ولذلك أنا أودُ أن أساير هذه الروح .
قبل انتخاب الرئيس أوباما كنت أنا وآخرون من الذين نتوقع فوزه ،… وليس ذلك عن معرفة دقيقة بالسياسة الأميركية ، ولكن لأنني قلت في ذلك الوقت إن الرئيس بوش قد وضع السياسة الأميركية من حيث الإخفاق والفشل في خانة ، لا بد أن يفكر أحد من الخروج من هذاا الجحر الذي حشرت فيه السياسة الأميركية على نحو ما قاله الشاعر ابن زريق البغدادي :” وأضيق الأمـر إن فكـرت أوسعـه ” باعتبار أن الضيق وصل إلى درجة لا بد أن يتحرك منه إلى خانة أخرى ولذلك كنت أقول لا بد من التغيير في السياسة الأميركية ، لأن السياسة البوشية ، سياسة الرئيس بوش قد حشرت السياسة الأميركية في ركن لا بد من أن يتحرك من ذلك الجحر.
وأنا الآن أقول ، إن إخفاق الواقع الحالي ، من شأنه أيضاً أن يجعل السياسات الحالية في جوانبها المختلفة محشورة في جحر لا بد أن تخرج منه….
أولا : لنأخذ موقف الطغاة في عالمنا ، أنا أقول لكم إن الطغاة في عالمنا اليوم محاصرون وهم جميعاً يشعرون بهذا الحصار، ولا بد من بديل ، لأن استمرار هذا الظلام إلى ما لا نهاية ضد طبيعة الأشياء ، إذاً هذا الليل لا بد له من آخر .
ثانياً : بالنسبة للغزاة ، السياسة الأميركية المبنية على الأحادية والإستباقية فشلت ، فشلت في أفغانستان ، فشلت في العراق ، فشلت في الصومال فشلت في كل مكان… وهم يعترفون بذلك : فشلت وأفلست الولايات المتحدة الأميركية .
إذاً هنا أيضا ، ظهرت حدود كاملة للطاقة والقدرة الإملائية العسكرية الأميريكية و كذلك الآلية الاسرائيلية.
فالالية الاسرائيلية ايضا بلغت حدودها من حيث الطاقة و القدرة العسكرية .
بل أقول ، إن الصهيونية إلى نهاية ، وهذا موضوع بسيط ، ماذا تقول الصهيونية ؟!
الصهيونية تقول جمع اليهود كلهم في دولة يهودية ، يهوديّة هذه الدولة في خطر كبير لان الحقيقة الديمغرافية تؤكد ان هذه الدولة لن تكون دولة يهودية ، كذلك الصهيونية تقول بجمع اليهود في العالم كله في إسرائيل ، هذا مستحيل ! أغلبية اليهود كانت ولا زالت وسوف تظل خارج إسرائيل . لأن عناصر الشُد لها خارج إسرائيل أقوى من عناصر الجذب لها في إسرائيل.
اذا المشروع الصهيوني ساقط .
أقول هذا وأقول أيضاً إن معنى هذا كله ، أنّ هذه المخاطر ، الخطر الصهيوني ، التمدد الاستعماري ، والطغيان كل هذه الأمور بلغت حداً ، في تقديري ، لا بد من الخروج منها…..
وهذا هو الذي ، في رأيِي، يجعل بسقوط الخيارات الأخرى ” خيار الوسطية حتميا ” .
لأنّ هذا يعني أن كل هذا الغلو سواء في الطغيان أو في الفتح العسكري أو في التمدد العدواني الإسرائيلي …..زكل هذه المسائل إلى نهاية مما يفتح المجال لخيار آخر هو الذي أعتقد تطرحه ” الوسطية “.
سأتحدث كثمرة لهذا المؤتمر عن ثلاثة أمور :
الأمر الأول : ما اعتقده حقائق جديدة رسمها المحاضرون في هذا المؤتمر .
الأمر الثاني : أهداف واضحة يمكن أن تتبنّاها الوسطية.
الأمر الثالث : تتعلق بتوصيات – ماذا بعد ؟!
لا اشك أبداً أن هذا المؤتمر قد حظي بإتقان في التحضير ، مداخلات خالية من التهريج ، وافرة بالتخصص والموضوعية وثرية بمقترحات عملية.
إذاً الإشادة بالذين دعوا إليه : المنظمون ومن شاركوا فيه وأثروه.
وفيما يتعلق بالتحليلات الجديدة ، إنّ الوسطية مبدأ إسلامي وهي كذلك ، نهج مفضل في كافة الأديان وفكر الإنسان وهي لا تعني نصف الطريق بين الحق والباطل بل الحق ذاته .
– يخيّم على المنطقة تحالف غير مكتوب بين الطغاة والغزاة والغلاة ما يوجب” نجدة لوسطية ” أن تسعى لتحقيق الحكم الراشد والاقتصاد المجدي العادل والتحرير بالإرادة الوطنية ،
إنّ الغلو وما يصحبه من عنف عشوائي ظاهرة تتكرر في كل الثقافات في ظروف معينة ولا ترتبط بدين معين ولا ثقافة معينة .
أما التفريط والإفراط كلاهما من أحابيل الشيطان ، والإفراط من الغلو الذميم في الدين ، لذلك فإن الظاهرة التكفيرية وما صحبها من إهدار الدماء مخالفة لمقاصد الشريعة ولكنها مرتبطة بظروف القهر والحرمان والاحتلال والاستيطان ووارد اختفائها بزوال تلك الظروف.
– أن المنطقة العربية متخلفة عن متوسط العالم في كافة مقاييس الأرقام الحياتية وتعاني اقتصادياً من افتقار التنوع في المنتجات والهشاشة إزاء الصدمات الخارجية وهيمنة قطاع الدولة بصورة خانقة لاقتصاد السوق الحر ، وحتى ما جرى من خصخصة خلا من الضوابط ما جعلها مدخلاً للفساد.
– أنّ الإصلاحيْن السياسي والاقتصادي وجهان لعملة واحدة هي التنمية البشرية . فالإصلاح الاقتصادي يرفع الإنتاج الزراعي والصناعي والتعديني ويزيد حجم التبادل التجاري ويوفر أسباب المعيشة والأمن الغذائي والخدمات الاجتماعية ويستوعب الأيدي العاملة ويسد نفقات الأمن والدفاع ويوزع المداخيل بصورة عادلة . أما الإصلاح السياسي يقيم دستوراً يحقق المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون ويكفل حقوق الإنسان ويحمي الأمن والنظام والدفاع ضد العدوان .
بهذه المقاييس فإنّ المنطقة العربية دون المستوى المطلوب ، مما يجعلها غير مستقرة وعرضه للاضطرابات الداخلية والاستغلال الخارجي .
– التقاعس العربي يشهد تجدداً في الدور الإيراني والتركي وهما إلى جانب الهيمنة الدولية والعدوان الإسرائيلي يشكلون العناصر الفاعلة في المنطقة ما لم تنهض الأمة العربية فإنها سوف تكون مسرحاً لتصفية حسابات الآخرين .
– كانت القوى الاستعمارية حريصة في الماضي على تطويق الأمة العربية بتحالفات مع جيرانها ، عدد من هؤلاء الجيران مثل تركيا وإيران تحررا من تلك التحالفات وصارا أقرب إلى التحالف الاستراتيجي مع الأمة العربية إن هي استعادت نهضتها.
– التحولات التي وقعت مؤخراً من إسقاط خيار الحرب إلى انحسار الدور العربي وغيرها يمكن أن تكون باعث لليأس أو حافز للإنتفاض ما دامت القضية حية والوعي بها متوافر.
– تحكم اليمين في الساحة الإسرائيلية وتقاعس الدور العربي يبدّدان الأمل في تسوية سلام عادل ما يطرح خيارين : التسوية التي تفرضها إرادة دولية ، أو الواقع الذي ستفرضه المستجدات السكانية وانحسار الحماسة العالمية للرؤية الصهيونية مما يفرض خيار الدولة الواحدة المدنية ما بين النهر والبحر، ما لم تسعف حركة الوعي الوطني المنطقة فإن اضطرابها سوف يوظفه حكامها وتوظفه الهيمنة الدولية لأغراض السيطرة عليها.
– الموقف الأميركي ، حتى إذا توافر استهداف ايجابي ، فإنه لن يتحرك بصورة فاعلة ما لم يجبره وضوح الرؤية العربية وقوة الموقف العربي.
الخبر السار هو :
أولاً : أنّ للقوة العسكرية حدوداً ، فلا تستطيع أن تملي إرادتها.
ثانياً : أنّ لمقاومة الاستيطان والاحتلال جدوى حتى مع عدم تكافؤ الفرص .
ثالثاً : أنّ حركة العنف الإرهابي ، وإن وجدت تجاوباً عاطفياً ، لا تحقق مقاصدها بل تثير ضدها عوامل أقوى منها ما يذكي أسلوب القوة الناعمة : أسلوب الوسطية.
أهداف الوسطية :
هنالك طائفة من الأهداف تتطلب تبنّيها من الحركة الوسطية أهمها :
– الإصلاح السياسي المؤدي للحكم الراشد والإصلاح الاقتصادي المؤدي للتنمية والعدالة بوسائل القوة الناعمة.
– العمل على التضامن المذهبي الإسلامي والتكامل بين التوجه الإسلامي والقومي والتعايش الملّي بين المسلمين والمسيحيين وغيرهم .
– حوار الحضارات.
– السعي لتوحيد الموقف الفلسطيني ودعم الصمود والمقاومة حتى يحل سلام عادل وشامل.
– الجسور العربية نحو الجوار التركي والإيراني والأفريقي والأوروبي بما يحقق المصالح المشتركة التنموية والأمنية ويحول دون توظيف الجوار لصالح إسرائيل والهيمنة الدولية .
– تأكيد أن الملف النووي يقوم على اشاعة الحق في التكنولوجيا النووية للاغراض المدنية كافة ، اما السلاح النووي فانه تاريخياً لم يستخدم إلا عندما كان مملوك لطرف واحد.
والآن الخيار في الشرق الأوسط هو أن نتحدث جميعاً بلغة واحدة : اما إخلاء المنطقة من السلاح النووي او أن التوازن النووي سيفرض نفسه حتماً.
نهج الوسطية ” سوف يفرض منطقه ” لأن الحسم العسكري بلغ حدوده من طرف واحد وصار مستحيلاً استمراره .
استمرار الاضطراب في الشرق الأوسط سوف يولد اضطراباً عالمياً بما يفرخ إرهاباً وحِجج غير قانونية …. مما يخلق ظرفاً موضوعياً لتحالف بين الوسطية في منطقتنا والتوازن الدولي الجديد.
تحديد الأسس العادلة للعلاقة مع النظام الأوروبي والنظام الأميركي والعمل على دفع الموقف الغربي للتعامل معنا على أساس الاعتراف بمصالحنا المشروعة.
تفعيل عامل الوسطية داخل الأقطار العربية لإبرام مصالحات وطنية هي وحدها السبيل لتحقيق الوحدة الوطنية وسد منافذ التدخل الأجنبي .
أخيراً ، التوصيات :
أولا: تحديد برامج الوسطية في جوانبها الداخلية والإقليمية والدولية لتطبيقها بأسلوب لا مركزي في الأقطار المختلفة.
ثانيا : تكوين تشبيك واسع بين مراكز الوسطية.
ثالثاً : تكوين منبر لأبحاث الوسطية لدراسة الرؤى المطلوب أتباعها في المجالات المختلفة وإيجاد آلية للربط بين الفكر والواقع .
رابعاً : التطلع لفضائية باسم الوسطية.
أنا أعتقد أن مؤتمرنا هذا ، إذا اتفق على الحقائق الجديدة واتفق على الأهداف التي يمكن أن نتفق عليها واتفق أيضا على متابعة ذلك بأقل برنامج مشترك ، يمكن أن يجعل رحلتنا إلى هذه البلد العظيمة الشقيقة رحلة عظيمة ومفيدة ونشكر ونشيد بدولة الرئيس نجيب ميقاتي وكافة الذين عملوا لهذا من مديرين ومترجمين وعاملين على راحتنا لأننا نكون بذلك ، قد حققنا بعض الشكر لهؤلاء على ما قدموا لنا من عمل نافع ومفيد والسلام عليكم .