ايها السادة:
يسعدني ويشرفني أن أشارك هذا الصباح في اطلاق هذه الندوة الاقتصادية الانمائية من الشمال، وأود في البداية التنويه بهذه المبادرة وبمنظمي هذه الندوة نظرا لاهمية هذا العمل في انماء وتطوير مدينة طرابلس والشمال، وفي تحسين المستوى الانساني والمعيشي لجميع ابناء هذه المنطقة . تكمن اهمية هذه الندوة اليوم في توقيتها وفي المواضيع المدرجة على جدول اعمالها.
تاتي هذه الندوة في وقت يمر به لبنان و الشمال بتحديات عديدة حيث يشكل العنصر التنموي والعنصر الاقتصادي جزءا كبيرا من هذه التحديات. فمن خلال التنمية والنموالاقتصادي يمكن لهذه المنطقة العزيزة ان تنهض وتستعيد دورها اقتصاديا ودورا فكريا و ثقافيا لعبته على مدى سنين طويلة ، فالشمال وطرابليس بالتحديد كانت من اهم المراكز الاقتصادية في العالم العربي سابقا، ولعبت دورا اقتصاديا هاما، كان وما يزال يشكل عنصر امل للمستقبل باعادة احياء تنشيط الاقتصاد في هذه المنطقة وجعل النمو الاقتصادي في خدمة المواطن وتحسين الوضع المعيش والحياتي لجميع ابناء المنطقة.
وتكمن ايضا اهمية هذه الندوة اليوم بالمواضيع والمحاور المدرجة على جدول اعمالها خاصة لانها تشكل حلقات اساسية اذا ما تم ربطها ببعضها البعض و تفعيلها تمكنا من تمكين المواطن الطرابلسي والمواطن الشمالي من تحسين وضعه الاقتصادي و المعيشي و العمل على خلق بيئة اقتصادية اجتماعية مؤاتية ، خاصة وان هذه المنطقة تعاني مشاكل تنموية كبيرة تبرز من خلال المؤشرات التنموية الاجتماعية والاقتصادية لذا من المهم التفكير سويا بخلق آليات و ادوات مشاريع مشتركة لربط الموضوع التنموي بالموضوع الاقتصادي وليكون الانسان في صلب العمل العام.
ان هذه الندوة وهذه المبادرة تهدف الى وضع الانسان في صلب العمل السياسي وتمكين المواطن وتلبية حاجاته في صلب المشاريع العامة .
اود في افتتاح هذه الندوة الاضاءة على بعض النقاط التي اتمنى ان تكون من ضمن توصيات المشاركين في هذه الندوة و أن يتم الحوار والتداول في شانها .
اولا: اعادة النظر في مفهوم الانماء المتوازن.
مما لا شك فيه ان الانماء المتوازن يشكل احد دعائم الوطن و قد أتى ذكره في مقدمة الدستور اللبناني و تم اعتباره أحد أبرز المقررات التي خرجت بها وثيقة الوفاق الوطني و تم وضعه في صلب عمل البيان الوزاري للحكومة الحالية . الا أنه في المرحلة الحالية ولصناعة مستقبل أفضل يجب اعادة النظر في مفهوم الانماء المتوازن ليصبح مبنيا اكثر ليس فقط على بنى تحتية انمائية انما على رؤية تنموية يتشارك فيها الاقتصاد و الخدمات الاجتماعية من خلال رؤية اقتصادية شاملة لهذه المنطقة وهو الموضوع الذي سيتم مناقشته في المحور الثالث من أعمال هذه الندوة .
ان اعادة النظر في مفهوم الانماء المتوازن يجب ان تمر من خلال عقد اجتماعي جديد يشارك فيه جميع العاملين في الشأن العام في منطقة الشمال كما في الدولة و في مؤسساتها بالدرجة الاولى البلديات ، والمجتمع المدني وكل الناشطين في الحقل الاجتماعي، يضاف اليهم ايضا الناشطين في المجالات الاقتصادية ذلك أنه لا تنمية بدون نمو ولا تنمية بدون مشاريع تساهم في خلق فرص عمل جديدة ولا محاربة للفقر من دون فرص عمل لذوي الدخل المحدود والخبرة الضعيفة .
ثانيا: السعي لاستكمال عملية النهوض الاقتصادي كما ورد في برنامج باريس -3 حيث شكل الشق الاجتماعي اربعين بالمئة من هذا البرنامج، وهدف اولا الى اعادة النظر في التقديمات و الخدمات الاجتماعية لجهة تحديد فئة المحتاجين وربط الخدمة الاجتماعية بعملية التنمية ، وخلق بيئة تساهم في تحسين وضع الانسان اقتصاديا وتمكينه علميا ومعالجة مشاكله اجتماعيا .
يجب متابعة نهج باريس-3 فيما يتعلق بالشق الاقتصادي حيث تم اعتماد مفهوم حديث للنمو الاقتصادي و ذلك من خلال ربط التمويل، وهو المحور الاول في هذا المؤتمر الذي يساهم في التمكين المالي لاي ناشط اقتصادي ، بمشاريع البنى التحتية وبرؤية مناطقية اقتصادية شاملة.هذا المحور يشكل ركنا أساسيا في مؤتمر باريس -3 .اتمنى ايلاء هذين المحورين وللمداخلات التي تم تحضيرها الاهمية الخاصة و العمل على ضرورة متابعة هذا الملف و استكماله كونه يلعب الدور الهام في تنمية جميع المناطق اللبنانية وفي خلق بيئة استثمارية تساهم ليس فقط في تطوير العاصمة والمناطق المجاورة لها وانما ايضا في اعطاء دور اساسي للمناطق الاخرى وعلى وجه الخصوص محافظة الشمال .
والموضوع الاخر الذي اتمنى ان يكون مدرجا على جدول النقاش في هذه الندوة هو كيفية ربط كل هذه المبادرات ببعضها، و خصوصا في موضوع ما يسمى بالقروض الصغيرة “مايكروكريدت” الذي يساهم في اعطاء الفرصة لاي شخص يريد ان ينشئ مؤسسة او يطور عملا ما، ومن خلال التجربة الماضية (السنين الثلاث الماضية في الحكومة) كان لي الفرصة لاطلاق عدة مشاريع في هذا المجال مثل مشروع بادر، والصندوق الاستثماري في المشاريع الجديدة ، لذا اتمنى ان يكون ليس فقط التركيز اليوم على القروض الصغيرة انما ايضا على الاستثمارات الصغيرة فللاستثمار دور اساسي في المشاركة في مشروع التنمية وربط عملية التقدير المالي او التمكين المالي في عملية التمكين الفكري والاقتصادي.
يوجد في غرفة الصناعة و التجارة في محافظة الشمال مشروع حاضنة للمؤسسات الصغيرة يمكن لهذه المبادرة أن تساعد المؤسسات الصغيرة في عملية النمو و ان تشترك مع عملية التمويل لخلق عملية تفاعل ايجابية تدعم عملية النمو وتساعد على خلق فرص عمل جديدة .
فالمدخل الاول لعملية التنمية ومحاربة الفقر هي خلق فرص عمل جديدة تؤدي الى حياة كريمة لجميع المواطنين، وربط هذين العاملين بعامل آخر الا وهي المشاريع الكبيرة التي يمكن اطلاقها في محافظة الشمال، وفي طرابلس تحديدا، وهنا اقترح انشاء هيئة للانماء والتطوير في طرابلس والشمال يشارك فيها جميع القيمين من مؤسسات رسمية و من ممثلين عن هذه المنطقة من بلديات و من مجتمع مدني ومجتمع اقتصادي، ويكون لهذه الهيئة مهمة وضع استراتيجية موحدة لانماء منطقة طرابلس و الشمال والعمل مع جميع هيئات القطاع الخاص والعام المحلية والاقليمية والدولية على نهضة مدينة طرابلس ونهضة محافظة الشمال .
ان التنمية ترتكز على المقومات الاقتصادية التي يشكل النمو هو العنصر الاول فيها، وهو الذي يخلق فرص العمل، الا أن عملية التنمية لايمكن ان ترتكز فقط على عملية النمو ذلك أن النمو ليس هو العنصر الوحيد في عملية تنمية الانسان وقدراته .لذلك وجب التركيز على تنمية الانسان و قدراته المالية من خلال المحور الثاني في هذه الندوة اي التركيز على عملية الزكاة لتكون عنصر فاعل ليس فقط في التخفيف من حاجات الموطنين بل ايضا لمساعدة هؤلاء المواطنين لكي يصبحوا فاعلين اقتصاديا وقادرين على خلق فرص عمل و تطورهم و عائلاتهم اجتماعيا. لذا فان عملية التنمية في محافظة لبنان الشمالي ترتكز اولا على اعادة تحريك العجلة الاقتصادية و ثانيا توسيع وتفعيل الخدمات و التقديمات الاجتماعية في هذه المنطقة ،وثالثا التعاون والعمل المشترك في سبيل الانماء وما اجتماعنا اليوم الا احد المبادرات الواجب اطلاقها في هذه المدينة ليكون للجميع دور ومساهمة في اعادة نهضة و تنمية محافظة الشمال و مدينة طرابلس على وجه التحديد .
عشتم و عاش لبنان.