إختتم “منتدى الوسطية في لبنان” أمس أعمال مؤتمره الدولي الثاني الذي حمل عنوان: “دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية”، وذلك في مدينة طرابلس، وسط حشد كبير من الشخصيات السياسية ورجال الدين والمفكرين وممثلي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والهيئات النقابية والأهلية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية، على ان يتم نشر التوصيات المتعلقة بالمؤتمر في وسائل الاعلام.
الجلسة الثالثة
وتضمن اليوم الثاني من المؤتمر جلستين، حملت الأولى عنوان ” تطوير خطاب الوسطية في مواجهة التحديات المستقبلية “، ورئسها المهندس مروان فاعوري الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية ورئيس منتدى الوسطية للفكر والثقافة في الأردن، وألقيت فيها خمس أوراق، تقدمتهم ورقة المفكر محمد طلابي ( المغرب) تحت عنوان: “قيم الوسطية: الاستراتيجية والأهداف”، أكّد من خلالها أنّ الوسطية ستبقى سؤالا وستستمر، لكننا نريدها أن تكون أسلوب حياة، لافتا الى أنّ منهج الوسطية كطريقة من طرائق التفكير تعمل على تحديد مفاهيم التركيب، الزوجية، المقدار. فالوسطية منهج ثابت في عقيدة المسلمين منذ البدء ولاشيء بعدها ، مؤكدا على انّ الاسلام قادر على المزج بين الشريعة والحداثة والعقيدة، أي بين الديني والدنيوي، وهذا هو الوسط في حد ذاته وعينه.
ثم القى المهندس أبو العلا ماضي ( مصر) ورقته عن “تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية” مشيراً إلى أن الإسلام واحد لكنه لا يدخل على البشر بشكل مجرد وانما يحصل تفاعل مع البيئة والعادات والقيم ينتج عنه وجود مسلمين متعددين بناء على الفهم الخاص، مؤكدا انّ الوسطية ليست أمرا طارئا في حد ذاته وانما مفهوماً راسخاً، تنعكس في أشكال عديدة لا يمكن احتكارها أو حصرها من قبل أشخاص أو مجموعة أو حتى حزب، شارحاً دور العلماء والمفكرين المعاصرين في تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية، ومتطرقاً الى حزب الوسط في مصر كحالة عملية عن تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية.
ثم تناول الدكتورجاسم سلطان (قطر) في ورقته “تطوير البعد النهضوي لخطاب الوسطية” متحدثاً عن تحديات النهضة المعاصر، داعياً الى استعادة الثقة بالقدرة الذاتية وتحرير الإبداع، والقضاء على الأفكار الإنقسامية من جذورها، لافتاً الى انّ مضمون الخطاب النهضوي يرتكز على تقدير التراث لا تقديسه والتصدي للأفكار القاتلة وبعث الأمل في تحرير الامكانات، وبث مشروع النهضة في الأجيال الشابة لكي تصبح هي منبع التحولات التي نريدها ونسعى اليها، مؤكدا أنّ مشروع النهضة والوسطية لن يظل في فضائه النظري وهو إنتقل فعلياً الى المجال العملي، وهذا ما نحتاجه في المرحلة المقبلة لتوسيع نطاق المشاريع التي هي من صلب المشروع الأم “الوسطية”.
وتحدثّ الدكتور عمرو الشوبكي (مصر) في ورقته عن “التحول السياسي في فكر الوسطية: كيف يصنع إعلاميا؟” مؤكدا أنّه ليس مع فكرة تدريب وتخريج مجموعة من الشباب في المجال الإعلامي يمثّلون الوسطية على إعتبار انّه من قواعد الإعلام عدم الإختزال لأن ذلك يحجّم من رسالة الوسطية ويعطيها صبغة محدودة، في حين أن تكون الوسطية مرجعية نستمد من خلالها القوة والمصداقية، وتكون التجربة محكومة على أدائنا وليس على فكر الوسطية، منوّها بالخبرة التركية ودور منظمات المجتمع المدني هناك وبعض رجال الدين والعلماء والأحزاب السياسية ذات التوجه الوسطي.
وإختتمت الجلسة بورقة للدكتور سعدالدين عثماني (المغرب)، تناول فيها “مستقبل فكر الوسطية في منظومة الأفكار العالمية”، معرّفاً الوسطية على أنها ليست مذهباً او طائفة، فهي منهج وتوجه راسخ وثابت لدى الأمة، مشيراً الى أنّ من سمات الوسطية الإعتراف بالآخر والاعتدال والاستفادة من الغير والتفاعل المستمر والحوار المفتوح مع الحضارات والثقافات والديانات المختلفة، ومتحدثا عن 3 تحولات أساسية عالمية أهمها بروز مجتمعات المعرفة على اعتبار أنّ من يمتلك المعرفة يمتلك القوّة، وتزايد صراع الهيمنة على مختلف الأصعدة ، وبروز الأزمة النقدية والاقتصادية الأخيرة.
الجلسة الرابعة
أمّا الجلسة الرابعة والأخيرة من المؤتمر فقد حملت عنوان ” كيف يكون الإعلام وسيطا؟ ” ورئسها الأستاذ طلال سلمان ناشر ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، وألقيت فيها خمس أوراق، تقدّمتهم ورقة الأب طوني خضرة (لبنان)، تحت عنوان “العامل السياسي في الخطاب الديني: المشكلات والحلول”، معتبرا أنّ الوسطية بمفهومه هي التوسط لايجاد مساحة من الحوار وليس للتقريب بين الحق والباطل، فالوسطية ليست التقاء بين طرفين متطرفين. كما تطرق الى العلاقة بين المفهوم الصحيح للسياسة والمفهوم الصحيح للدين معتبرا أنّ العلاقة بينهما هي علاقة تكاملية لخدمة الناس، داعيا الى ايجاد التيار الوسطي في لبنان الهادف الى ايجاد مساحة من الحوار، ومختتما بالتذكير بقول الرسول لوقا “اعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر” معتبرا انّ هذا هو مفهوم الوسطية.
وتحدثت الإعلامية مارلين خليفة (لبنان) فيما بعد عن “المعالجة الإعلامية للتطرف والعنف السياسي”، مشيرة الى أنّ دور الوسطية في الاعلام يرتكز على تظهير المواقف كلها على تناقضها وتنافرها، واتخاذ القرار المناسب منها ولكن من دون تحريض. فالوسطية في الاعلام خيار ونهج وسلوك يبتعد عن التحريض ويحلل الأمور بهدوء وروية ورصانة. والوسطية لا يمكنها ان تجمع بين الحق والباطل، لافتتا الى انّ المشهد اللبناني الاعلامي يعاني من غياب الوسطية والتطرف في معالجة الحوادث وهو أمر لا يقتصر على الاعلام المرئي وإنما المكتوب والمسموع وان بشكل أقل، داعية الى اعتماد 4 نقاط أساسية لتعزيز مهمة الاعلام المسؤول وتتمثل بـ “تعزيز حس المواطنة في الاعلام، تعزيز الأخلاقيات الإعلامية وتظهير التعددية”.
ثم تحدّثت الدكتورة مريم آية أحمد وعلي ( المغرب) في ورقتها عن كيفية تطبيق الوسطية في وقت تسود فيه ثقافة الأبيض والأسود، الهوية واللاهوية، والظلم والعدل، والظالم والمظلوم، معتبرة أنّ من أخطر الأسلحة الفتاكة المستخدمة حالياً برمجة الوعي الذاتي للفرد من قبل الآخرين بشكل يؤدي الى فقدان البوصلة إلى وسطية الفكرية، داعية إلى ضرورة الأخذ بآليات وسبل بناء الثقافة الوسطية، وإعادة بناء موقع الوسطية بناًء حقيقياً عملياً وتفاعلياً بحيث تحدث منعطفاً حقيقياً في واقع المسلمين، وان نركّز على ما نريد أن نكون عليه ونصير اليه”.
وألقى الإستاذ مقبل ملك في ختام الجلسة نيابة عن الأستاذ الكبير عادل مالك ورقتة التي حملت عنوان ” دور وسائل الاعلام في تعزيز ثقافة الوسطية ” مشيراً الى أن الوسطية ليست تهمة إنما صفة تشير الى الرحابة في النظر الى الامور من زاوية عريضة وليس من الزاوية الضيقة، لافتاً إلى أنّ الوسطية الحقيقية تفسح في المجال لاجراء مقاربات لكافة القضايا الخلافية المطروحة.