اليوم الثاني

إختتم “منتدى الوسطية في لبنان” أمس أعمال مؤتمره الدولي الثاني الذي حمل عنوان: “دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية”، وذلك في مدينة طرابلس، وسط حشد كبير من الشخصيات السياسية ورجال الدين والمفكرين وممثلي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والهيئات النقابية والأهلية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية، على ان يتم نشر التوصيات المتعلقة بالمؤتمر في وسائل الاعلام.

الجلسة الثالثة

وتضمن اليوم الثاني من المؤتمر جلستين، حملت الأولى عنوان ” تطوير خطاب الوسطية في مواجهة التحديات المستقبلية “، ورئسها المهندس مروان فاعوري الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية ورئيس منتدى الوسطية للفكر والثقافة في الأردن، وألقيت فيها خمس أوراق، تقدمتهم ورقة المفكر محمد طلابي ( المغرب) تحت عنوان: “قيم الوسطية: الاستراتيجية والأهداف”، أكّد من خلالها أنّ الوسطية ستبقى سؤالا وستستمر، لكننا نريدها أن تكون أسلوب حياة، لافتا الى أنّ منهج الوسطية كطريقة من طرائق التفكير تعمل على تحديد مفاهيم التركيب، الزوجية، المقدار. فالوسطية منهج ثابت في عقيدة المسلمين منذ البدء ولاشيء بعدها ، مؤكدا على انّ الاسلام قادر على المزج بين الشريعة والحداثة والعقيدة، أي بين الديني والدنيوي، وهذا هو الوسط في حد ذاته وعينه.

ثم القى المهندس أبو العلا ماضي ( مصر) ورقته عن “تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية” مشيراً إلى أن الإسلام واحد لكنه لا يدخل على البشر بشكل مجرد وانما يحصل تفاعل مع البيئة والعادات والقيم ينتج عنه وجود مسلمين متعددين بناء على الفهم الخاص، مؤكدا انّ الوسطية ليست أمرا طارئا في حد ذاته وانما مفهوماً راسخاً، تنعكس في أشكال عديدة لا يمكن احتكارها أو حصرها من قبل أشخاص أو مجموعة أو حتى حزب، شارحاً دور العلماء والمفكرين المعاصرين في تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية، ومتطرقاً الى حزب الوسط في مصر كحالة عملية عن تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية.

ثم تناول الدكتورجاسم سلطان (قطر) في ورقته “تطوير البعد النهضوي لخطاب الوسطية” متحدثاً عن تحديات النهضة المعاصر، داعياً الى استعادة الثقة بالقدرة الذاتية وتحرير الإبداع، والقضاء على الأفكار الإنقسامية من جذورها، لافتاً الى انّ مضمون الخطاب النهضوي يرتكز على تقدير التراث لا تقديسه والتصدي للأفكار القاتلة وبعث الأمل في تحرير الامكانات، وبث مشروع النهضة في الأجيال الشابة لكي تصبح هي منبع التحولات التي نريدها ونسعى اليها، مؤكدا أنّ مشروع النهضة والوسطية لن يظل في فضائه النظري وهو إنتقل فعلياً الى المجال العملي، وهذا ما نحتاجه في المرحلة المقبلة لتوسيع نطاق المشاريع التي هي من صلب المشروع الأم “الوسطية”.

وتحدثّ الدكتور عمرو الشوبكي (مصر) في ورقته عن “التحول السياسي في فكر الوسطية: كيف يصنع إعلاميا؟” مؤكدا أنّه ليس مع فكرة تدريب وتخريج مجموعة من الشباب في المجال الإعلامي يمثّلون الوسطية على إعتبار انّه من قواعد الإعلام عدم الإختزال لأن ذلك يحجّم من رسالة الوسطية ويعطيها صبغة محدودة، في حين أن تكون الوسطية مرجعية نستمد من خلالها القوة والمصداقية، وتكون التجربة محكومة على أدائنا وليس على فكر الوسطية، منوّها بالخبرة التركية ودور منظمات المجتمع المدني هناك وبعض رجال الدين والعلماء والأحزاب السياسية ذات التوجه الوسطي.

وإختتمت الجلسة بورقة للدكتور سعدالدين عثماني (المغرب)، تناول فيها “مستقبل فكر الوسطية في منظومة الأفكار العالمية”، معرّفاً الوسطية على أنها ليست مذهباً او طائفة، فهي منهج وتوجه راسخ وثابت لدى الأمة، مشيراً الى أنّ من سمات الوسطية الإعتراف بالآخر والاعتدال والاستفادة من الغير والتفاعل المستمر والحوار المفتوح مع الحضارات والثقافات والديانات المختلفة، ومتحدثا عن 3 تحولات أساسية عالمية أهمها بروز مجتمعات المعرفة على اعتبار أنّ من يمتلك المعرفة يمتلك القوّة، وتزايد صراع الهيمنة على مختلف الأصعدة ، وبروز الأزمة النقدية والاقتصادية الأخيرة.

الجلسة الرابعة

أمّا الجلسة الرابعة والأخيرة من المؤتمر فقد حملت عنوان ” كيف يكون الإعلام وسيطا؟ ” ورئسها الأستاذ طلال سلمان ناشر ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، وألقيت فيها خمس أوراق، تقدّمتهم ورقة الأب طوني خضرة (لبنان)، تحت عنوان “العامل السياسي في الخطاب الديني: المشكلات والحلول”، معتبرا أنّ الوسطية بمفهومه هي التوسط لايجاد مساحة من الحوار وليس للتقريب بين الحق والباطل، فالوسطية ليست التقاء بين طرفين متطرفين. كما تطرق الى العلاقة بين المفهوم الصحيح للسياسة والمفهوم الصحيح للدين معتبرا أنّ العلاقة بينهما هي علاقة تكاملية لخدمة الناس، داعيا الى ايجاد التيار الوسطي في لبنان الهادف الى ايجاد مساحة من الحوار، ومختتما بالتذكير بقول الرسول لوقا “اعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر” معتبرا انّ هذا هو مفهوم الوسطية.

وتحدثت الإعلامية مارلين خليفة (لبنان) فيما بعد عن “المعالجة الإعلامية للتطرف والعنف السياسي”، مشيرة الى أنّ دور الوسطية في الاعلام يرتكز على تظهير المواقف كلها على تناقضها وتنافرها، واتخاذ القرار المناسب منها ولكن من دون تحريض. فالوسطية في الاعلام خيار ونهج وسلوك يبتعد عن التحريض ويحلل الأمور بهدوء وروية ورصانة. والوسطية لا يمكنها ان تجمع بين الحق والباطل، لافتتا الى انّ المشهد اللبناني الاعلامي يعاني من غياب الوسطية والتطرف في معالجة الحوادث وهو أمر لا يقتصر على الاعلام المرئي وإنما المكتوب والمسموع وان بشكل أقل، داعية الى اعتماد 4 نقاط أساسية لتعزيز مهمة الاعلام المسؤول وتتمثل بـ “تعزيز حس المواطنة في الاعلام، تعزيز الأخلاقيات الإعلامية وتظهير التعددية”.

ثم تحدّثت الدكتورة مريم آية أحمد وعلي ( المغرب) في ورقتها عن كيفية تطبيق الوسطية في وقت تسود فيه ثقافة الأبيض والأسود، الهوية واللاهوية، والظلم والعدل، والظالم والمظلوم، معتبرة أنّ من أخطر الأسلحة الفتاكة المستخدمة حالياً برمجة الوعي الذاتي للفرد من قبل الآخرين بشكل يؤدي الى فقدان البوصلة إلى وسطية الفكرية، داعية إلى ضرورة الأخذ بآليات وسبل بناء الثقافة الوسطية، وإعادة بناء موقع الوسطية بناًء حقيقياً عملياً وتفاعلياً بحيث تحدث منعطفاً حقيقياً في واقع المسلمين، وان نركّز على ما نريد أن نكون عليه ونصير اليه”.

وألقى الإستاذ مقبل ملك في ختام الجلسة نيابة عن الأستاذ الكبير عادل مالك ورقتة التي حملت عنوان ” دور وسائل الاعلام في تعزيز ثقافة الوسطية ” مشيراً الى أن الوسطية ليست تهمة إنما صفة تشير الى الرحابة في النظر الى الامور من زاوية عريضة وليس من الزاوية الضيقة، لافتاً إلى أنّ الوسطية الحقيقية تفسح في المجال لاجراء مقاربات لكافة القضايا الخلافية المطروحة.

اليوم الأول

ناقش في جلستي الجمعة موقع الإعلام والمفاهيم والدلالات

المؤتمر الدولي الثاني للوسطية تابع أعماله في طرابلس

واصل المؤتمر الدولي الثاني للوسطية في لبنان بعنوان: “دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية” أعماله امس في فندق “كواليتي. ان” في طرابلس، بمشاركة راعيه الرئيس نجيب ميقاتي، وحشد من الشخصيات السياسية ورجال الدين والمفكرين وممثلي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وهيئات نقابية وأهلية واقتصادية واجتماعية وتربوية ودينية.

الجلسة الأولى

وكان اليوم الأول من المؤتمر الجمعة شهد جلستين، الأولى بعنوان: “موقع الإعلام في فكر الوسطية”، وترأستها وزيرة الإعلام الأردنية السابقة ليلى عبد الحميد شرف، وتكلم فيها رئيس تحرير جريدة ” الأنوار” البنانية الإستاذ رفيق خوري على “الموضوعية وشخصنة الإعلام”. وقال: “لا يمكن الحديث عن موضوعية في ظل الأنظمة الشمولية، بعكس الأنظمة الديموقراطية التي يمكن الحديث فيها عن نوع من الموضوعية الإعلامية”. ورأى ان “الإعلاميين جزء من حيوية المجتمع. وإذا فقد الأخير حيويته، فهذا يعني أن الإعلام سيعاني ضيق أفق”.

وتطرق الأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور ساسين عساف الى “الإعلام وثقافة التغيير”، فحذر من أن “الحرية الإعلامية في الأنظمة الديموقراطية قد تستغل أحيانا لتكون غلافا لما يناقض جوهرها ووظيفتها التغييرية عبر تحكم رأس المال او الإعلان فيها”، معتبرا أن “الإعلام الباحث عن زبائن، أكان تجاريا يتوخى الربح المادي، أم سياسيا يتوخى الكسب الشعبي، هو إعلام فاشل”، داعيا إلى “ارساء بيئة قانونية وثقافية مساعدة كي يتمكن الإعلام من ممارسة دوره في ثقافة التغيير”.

وتناول الأستاذ رمزي النجار( لبنان ) ” موضوع “من هو جمهور الوسطية، و ما هي حاجاته الفكرية”، معتبرا أن “الوسطية المتحررة من قيود المصطلح الظالم تعاني القاء التهم عليها جزافا، مثل كل المدارس السياسية الأخرى من دون استثناء. لكن ما يميز الهجوم على الوسطية حصراً هو الإنطباع المعمم والمسطح الذي تجنح اليه بعض العقول من باب السهولة وما يعرف بعداوة ما نجهل”. وقال: “الوسطية في طرفي اليسار واليمين هي الخلاصة، واذا بلغ الاصطفاف لدينا اليوم مداه الأقصى بين قوى 8 و14 آذار، فالوسطية أيضاً وأيضاً هي الخلاصة”.

وانهى ناشر جريدة “التمدن” ( جريدة مناطيقية تصدر في طرابلس ) الأستاذ فايز السنكري الجلسة بالحديث عن “دور الإعلام كسلطة رابعة في تعزيز ثقافة الوسطية”. وقال: “على رغم التداعي الكبير الذي أصاب هيكل الدولة في مراحل حرجة عدة، لم يسقط الإعلام الوسطي في فخ اثارة الغرائز، وبقي عصياً على التطويع، وكان عليه أن يمارس دوراً ريادياً وقيادياً على مستوى لبنان والوطن العربي، مستخدماً المساحة المتاحة له وإن ضاقت”. وشدد على ان “الوسطية لا تعني عدم الانحياز إلى الحق، أخلاقياص وإنسانياً، تجاوباً مع حريات الناس وتطلعاتهم وآمالهم، ولا تعني أيضا تنازلاً أو خضوعاً أو خنوعاً، ومسؤوليتها الحفاظ على السلم الاجتماعي ورفع الظلم والدفاع ضد العدوان والتوعية من الاخطار”.

الجلسة الثانية

وكانت الجلسة الثانية بعنوان “المفاهيم والدلالات المعززة لثقافة الوسطية”، وترأسها رئيس تحرير جريدة “اللواء” البنانية الإستاذ صلاح سلام الذي رأى أن ” فكر الوسطية قادر على التعايش والتفاعل مع ما يحيطه من تنوع ثقافي وديني وحضاري بيسر وايجابية لا تتوافر عند أهل التطرف في طروحاتهم، ولا عند أهل التعصب في ممارساتهم”. واعتبر ان “الثقافة الوسطية تقوم على 3 مفاهيم، الاول الاعتراف بالآخر والقبول به والتعايش معه، والثاني الاعتدال، والثالث عدم التذبذب أو التردد بين موقف آخر. وهي دائما إلى جانب الحق والعدل والخير ضد الشر والباطل والظلم”.

وتناول رئيس تحرير مجلة ” التبيان” الدكتورعبد الحليم عويس ( مصر) “الأسس والمفاهيم الإعلامية المعززة لثقافة الوسطية”، فقال ان “المنهزم واليائس لا يمكن أن يصنع حضارة أو وسطية”. واذ شدد على “أهمية التيارات الشعبية…”، توقف عند “مهمات التوظيف والتأثير الإعلامي، ومنها تشكيل الوعي والتنشئة الاجتماعية والتبليغ والاتصال الإنساني”، ليخلص الى أن “خصيصة المنهج الإسلامي والإعلام الإسلامي هي خصيصة الوسطية التي تشكل الطريق الواضح الفطري المنقذ لحضارة الإنسان”.

وناقش رئيس تحرير مجلة “الكلمة” المفكر زكي الميلاد ( السعودية ) “تجدد مفهوم الوسطية في الخطاب الإسلامي المعاصر”، مشيرا الى ارتباطه “بثلاث مسائل متصلة بالإطار الإسلامي المعاصر، الأولى تتعلق بتطور الخطاب المعاصر داخل التيار الإسلامي حول مفهوم الوسطية…، والثانية تتعلق بالتطور الحاصل في مفهوم النظر إلى الوسطية من خلال التخاطب مع الذات، بعدما كان ذلك ينحصر في اطار النظر والتخاطب مع الآخر. اما المسألة الثالثة، فتتعلق بفحص مفهوم الوسطية لتحديده وكشف أبعاده وتبيان معالمه وإزالة ما يشوبه من ضبابية وغموض، وذلك نظرا الى تدافع جهات عدة وانتسابها إلى هذا المفهوم، مما يفرض ضرورة إخضاعه للفحص، كي لا يصبح مجالا للإدعاء من الغير”.

وعالج الدكتور محمد الخطيب ( الأردن ) “العوامل الإعلامية المعيقة في تعزيز ثقافة الوسطية”، مجملا اياها “بمعوقات رئيسية لا يمكن العمل على نشر الوسطية من دون اجتيازها، ومنها أزمة الهوية واختلال القيم والمعايير في العديد من وسائل الإعلام التي عملت على طمس الهوية وهدم القيم في الكثير مما تبث، ومنها غياب أجندة مدروسة موحدة لوسائل الإعلام واتجاهها لتكون مجرد تابع للاعلام الغربي، ومنها ظاهرة النفاق عند بعض وسائل الإعلام العربية التي اصبحت بوقا للأنظمة أو الأشخاص بشكل يجعلها غير قادرة على القيام بالمهمات الموكلة اليها”.

وتكلم الدكتور هايل داوود ( الأردن ) على “العوامل الإعلامية المساعدة في تعزيز ثقافة الوسطية”، فاعتبر ان “الإعلام يمارس دورا حيويا في صياغة العقول والرأي العام والتحولات السياسية والاجتماعية، وخصوصا بعد انتشار الفضائيات والإنترنت، علما ان الإعلام يستخدم في الدعوة الإسلامية، مما يجعل الأمة الإسلامية أمة إعلامية في أصلها”. ودعا إلى أن “يكون الإعلام مسؤولا وملتزما ومعبرا عن ثقافة وقيم الأمة والحضارة الإسلامية، وترسيخ المفاهيم الصحيحة للاسلام وتخليصه من الأوهام وتدعيم الثقافة الإسلامية والتزام الضوابط الشعرية، كالدقة في نقل المعلومات والتثبت منها واستخدام الكلمة الطيبة، وان يتصف الإعلام بالإنصاف وعدم التحيز والتوازن”.

واختتم الدكتور عبد الحميد الأنصاري ( قطر) الجلسة بتناول “الخطاب الإعلامي للوسطية: كيف يجب أن يكون؟”، فقال: “نواجه تحديا خارجيا متمثلا في العدو الصهيوني، وتحديا داخليا متمثلا في التخلف”. ودعا إلى “التمييز بين الوسطية كفكر ومبدأ وقيمة من جهة، وبين ممارسات وسلوك وخطاب يروج له في الساحة على أنه خطاب وسطي”، مؤكدا أن “الوسطية هي الرهان المستقبلي والخيار الصائب الذي لا بد من دعمه عبر منهجية وآلية وخطط تعمل على تفعيله عمليا، وتحكم الإطار الديني”.

إفتتاح مؤتمر دور الإعلام في ثقافة الوسطية

ثقافة الوسطية للتنوير والتوعية

دعا الرئيس نجيب ميقاتي الى “تعزيز اعلام المواطنة، لأننا نرى في اعلام الطوائف والمذاهب خطرا على هذه الطوائف وتلك المذاهب في بلاد مثل لبنان، لا تستسيغ الغالبية الكبرى من أهله التطرف، بل تدعو الى احترام الاقتناعات والخيارات ومناقشتها بالحجج والمنطق والموضوعية”. ورأى في “”تعزيز ثقافة الوسطية تعزيزا للحرية الاعلامية وحمايتها، وصوناً للديموقراطية التعددية، وحفظا التوازن في الممارسة والتعبير”.

نظم ” منتدى الوسطية في لبنان ” المؤتمر الدولي الثاني للوسطية في لبنان بعنوان: ” دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية” في فندق “كواليتي ان” في طرابلس امس، في حضور راعي المؤتمر الرئيس ميقاتي، وزير الاعلام طارق متري، النائبين روبير غانم وسمير الجسر، العميد سمير الشعراني ممثلا الوزير محمد الصفدي، الوزير السابق سامي منقارة، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى الوزير السابق عمر مسقاوي، النائب السابق أحمد كرامي، نقيب المحامين في الشمال انطوان عيروت، المفتي الشيخ طه الصابونجي، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء رشيد جمالي، منسق “تيار المستقبل” في الشمال عبد الغني كبارة، وحشد من الشخصيات الاعلامية والنقابية والأهلية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية وفاعليات شمالية.

د. عبد الإله ميقاتي

بعد كلمة من عريف الاحتفال مقبل ملك، القى الدكتور عبد الاله ميقاتي كلمة باسم المنتدى قال فيها ان “لغة الاعلام الوسطي جامعة، وليست لغة اجماع، لأنها لغة الحوار الهادئ والمناقشة المتزنة، وهي لغة واسعة تتحمل الاختلاف، لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. كذلك تحتمل المناقشة الفكرية، بل تدعو اليها، لأن في المناقشة تولد الحقيقة”. وشدد على ان لغة الاعلام الوسطي حضارية تسعى الى نقل المعلومات الصحيحة ومخاطبة الفكر وتحجيم التطرف ورفض التعنت، كأنها السهل الممتنع. وهي سهلة الممارسة، أطرها منفتحة، تواصلها مع الجميع، عصية على الارهاب والعنف، وتأبى الاكراه والظلم، وترفض اثارة النعرات والغرائز”.

معالي السيدة ليلى عبد الحميد شرف

تلته عضو مجلس الاعيان الاردني ليلى شرف بكلمة شددت فيها على “اننا نحتاج اليوم الى حركة تنموية نهضوية شاملة لمجتمعاتنا العربية، حركة اصلاحية جذرية متعددة الجوانب، قوامها الوسطية في الفكر والعمل والتعامل مع مرجعياتنا الحضارية”. وقالت: “لذلك تبدو الحاجة ملحة الى العودة الى احياء فكر الوسطية في عقول مواطنينا ونفوسهم، ونهجا لمجتمعاتنا وهوية لحضارتنا. وأي برنامج اصلاحي تطويري تنموي لا يمكن أن يكون فاعلا أو مستداما اذا لم تسانده عقليات جديدة ومواقف متطورة تمثل الأسس الفكرية والأخلاقية التي يقوم عليها هذا الإصلاح”.

معالي الوزير أحمد كمال أبو المجد

من جهته، اعتبر وزير الاعلام المصري السابق أحمد أبو المجد ان “الوسطية نهج فكري وعلمي تعالج معضلة لا يتفرد بها عالمنا الاسلامي والعربي، وهي ظاهرة الأحادية والظهور في المواجهات والغلو التي أخذت تشكل خطرا على مجتمعاتنا”. ورأى أن “خطر الغلو والتطرف ليس مقتصرا علينا. فالعصر عصر العنف ونعيش في ظل نظام عالمي يغيب فيه عنصر التوازن”.

النائب روبير غانم

كذلك، القى النائب غانم كلمة قال فيها ان “الوسطية مفهوم ومصطلح يتعرضان منذ مدة لمختلف عمليات الخطف والتبسيط والاستحواذ، وحتى الاتهام”. وشرح ان مفهوم الوسطية يشمل مفهوم الاعتدال والقصد والتيسير، كما يشمل التوازن والاستقامة…”، مشيرا الى ان “الوسطية تبرز في سياق السياسة الاجتماعية أنها تعزيز لقيم المواطنة واعلاؤها فوق الانتماءات الأخرى، أكانت طائفية أم مذهبية، أم حتى من العشائرية القبلية الى الأيديولوجية”.

وشدد على ان “الوسطية سلوك متزن قائم على ارساء أسلوب الحوار، ويتوخى أن يصل الى وجهة الفهم، كما يقصي عن ممارساته الغلو والتطرف والعناد في الرأي، ويستعيض عنها بالوعي ومقاربة الزوايا الحادة بالموضوعية المجردة”، مشيرا الى ان “مبدأ الوسطية هو أن لا احد يملك الحق المطلق، ولا وكالة حصرية في السياسة. واذا كانت السياسة علم الممكن، فهي ايضا علم الوسطية بمعنى رفضها أن تصبح ثابتة راسخة كحقيقة علمية مطلقة…”.

معالي الوزير طارق متري

من جهته، قال الوزير متري أن “الاعتدال الذي ندعو وسائل الاعلام اللبنانية اليه ليس في اي شكل من الاشكال تنازلا طوعيا عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية. وليس الاعتدال احجاما عن اتخاذ المواقف، ولا مسايرة للجميع، أو تجاهلا للاختلاف بينهم او حيادا في مسائل هذا الاختلاف، بل هو في المقام الاول صنو العقلنة واحترام الآخر والحوار في بلاد متنوعة يهدد فيها الغلو والتطرف الوحدة والسلم الاهلي والاستقرار. والاعتدال موقف معرفي وأخلاقي يحاكي قواعد السلوك المهني في الاعلام التي تقوم على مبادئ تبدو بديهية، غير أن بديهيتها لا تقلل أهميتها.

فالاعتدال يقوم على الحق في المعرفة والتعبير عن الآراء المتنوعة، ويعطي فهم الوقائع الأولوية، وهي أولوية الخبر على الرأي. ويقتضي الاعتدال الإحجام عن نشر كل ما يحضّ على العنف والكراهية بين اللبنانيين ويدعو الى الانتقام ويستخدم لغة الشجار والتحقير والاقذاع والاغلاظ والبذاءة والتهكم المسيء الى كرامات الجماعات والأشخاص”.

واعتبر ان “أخذ النفس بالشدة وضبط الألسنة عن كلام السوء هو باب الاعتدال الذي التأمنا لتعزيزه بفضل منتدى الوسطية في لبنان وعلى همته”.

دولة الرئيس نجيب ميقاتي

ثم ألقى الرئيس ميقاتي كلمة جاء فيها: “كثرت في المدة الاخيرة قراءات وتفسيرات وتعليقات تناولت الوسطية، بعضها من منظار سياسي مرتبط بالاستحقاق الانتخابي المقبل، وبعضها الآخر من منطلق التمسك بأحادية الرأي والتمثيل، والبعض من موقع التردد والضياع في تحديد الخيارات أو عدم وضوح ماهية الوسطية ومفاهيمها لديه. فالوسطية تؤمن القدرة على التفكير العميق والمتوازن، ورؤية الواقع كما هو، والعمل على تغييره نحو الافضل

وهي ليست منهجية متصلبة جامدة، بل عملية مستمرة ومتتابعة تحتاج الى عمل وتعزيز مستمر، وجهود دائمة تحضّ على مسلك الوسطية وسلوكه في حياتنا اليومية والعملية. والوسطية فكر وعقيدة ونهج يشمل كل مكونات الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث الانسان هو القيمة الأساسية والمحورية التي يجب العمل على انمائها وتطويرها. فمستقبل وطننا وأجيالنا نقطة الوسط والارتكاز التي يجب أن تجذب كل الحركة السياسية، ونعمل في سبيله ونسعى الى التفاعل مع كل مكونات المجتمع”

واضاف: “الوسطية تسعى الى احتضان هواجس الناس وقلقهم وأوجاعهم، وبلورة طريق للتلاقي والتقدم نحو أفق أكثر استقرارا واشراقا، ضمن المفاهيم الأساسية لنظامنا الديموقراطي ومندرجاته. وثقافة الوسطية لا تعني بالضرورة الحديث عن تلك النظريات التي نبحث عنها بين الكتب والمؤلفات والدراسات، بل هي فعل ارادة طوعية ونهج الغالبية التي يطلق عليها بعضهم تسمية “الأكثرية الصامتة”. من هنا يبرز دور وسائل الاعلام في تعزيز الثقافة الوسطية، لأن من صلب مهماتها التنوير والتوعية والتثقيف، من دون تشويه الحقيقة أو التحريض الغريزي”. وتابع: “اذا كان الاعتدال صنو الوسطية في السياسة والتعامل مع القضايا الوطنية، فان الموضوعية صنو الوسطية في الاعلام التي تعني أيضا، في مفهومنا، احترام الرأي الآخر من خلال احترام ارادة الرأي العام وخياراته المتعددة، كما تفرض اقران الرأي والموقف بالحجة والدليل والواقعية، واسقاط التفرد والاحتكار والنهائية التي نلاحظ، للاسف، وجود جنوح اليها لدى بعض الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية. لكنني أسارع الى القول أن الوسطية في الاعلام لا يمكن أن تعني، في أي شكل، افتقاد المبادرة والاكتفاء بردود الفعل، كذلك لا تعني عدم التزام الدفاع عن القضايا الوطنية الكبيرة، أو حماية أسس الوفاق الوطني ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات، وقيام سيادة الدولة وغيرها من الثوابت الوطنية التي لا مواقف وسط ممن يحاولون المساس بها أو الاساءة اليها”

ورأى أن “الاعلام الذي يعبّر عن ثقافة الوسطية هو الذي يسلط الضوء على اهمية المواطنة في المجتمع، من دون أن يغفل القيمة المضافة التي تميز لبنان من خلال تعدد طوائفه وثقافاته التي هي مصدر غناه، ودورها الايجابي في تفاعل الحضارات والثقافات التي جعلت من بلادنا وطن الدور والرسالة”. ونبه الى ان “الخطأ، كل الخطأ، في القول أن موقف الوسطيين هو “لا موقف”، ذلك أن عدم التزام أحد موقفين متطرفين هو موقف بذاته. ومن يحكم في صحة هذا الموقف هو الرأي العام الذي يفترض أن تنقل وسائل الاعلام رأيه بحرية وامانة وتجرد، لا ان تتناوب، عن ادراك أو غير ادراك، في الترويج للموقفين المتطرفين فحسب، فتحرم آنذاك مجموعات من الرأي العام من ابراز موقفها الوسطي، وتصادر حرية الانسان التي نجد في وسائل الاعلام المنبر الابرز للتعبير عنها”. وشدد على ان “تعزيز ثقافة الوسطية تعزيز للحرية الاعلامية وحمايتها، وهو أيضا صون للديموقراطية التعددية، وحفظ التوازن في الممارسة والتعبير، مما يحد من الشطط الذي يؤدي الى ممارسات سلبية عانيناها في لبنان خلال المرحلة الماضية، وهددت ميثاق العيش المشترك الذي يعتبر الضامن الحقيقي لوجود الوطن”

وقال: “نرى الوسطية في الاعلام دعوة دائمة ومفتوحة الى حوار ميدانه وسائل الاعلام، في كل ما يهمّ الناس من قضايا. ولا أعني هنا المواضيع السياسية فحسب، انما ايضا الهموم الحياتية والاجتماعية والانسانية والتربوية والثقافية والبيئية والصحية. ووحدها ثقافة الوسطية في وسائل الاعلام تؤمن المساحة الأرحب لحوار رصين ومتكافئ ومتوازن ومنتج، بعيدا من مفردات التجريح والشتم والتخوين والتهديد والاصطفاف التي تحفل بها وسائل اعلامنا هذه الايام، حيث سقطت، أو تكاد ان تسقط، كل القيم والمعايير والمقاييس والاعتبارات التي ميزت الاداء السياسي اللبناني قبل أجيال”.

الشخصيات المشاركة

الشخصيات المشاركة

مؤتمر الوسطية أذاعع توصياته

اختتم منتدى الوسطية في لبنان اعمال مؤتمره الدولي الثاني بعنوان “دور وسائل الاعلام في تعزيز ثقافة الوسطية” والذي عقد مدى يومين في طرابلس اعماله برعاية الرئيس نجيب ميقاتي واصدر توصيات أبرزها:

-“توجيه الشكر الى منتدى الوسطية في لبنان والى راعي المؤتمر دولة الرئيس نجيب ميقاتي على الجهود التي بذلت من أجل انعقاد المؤتمر وانجاح اعماله، واعتبار كلمة راعي المؤتمر جزءاً لا يتجزأ من التوصيات، لاسيما منها ما يتعلق بضرورة ايلاء هموم الناس الحياتية والاجتماعية والانسانية والتربوية والثقافية والبيئية والصحية (…).
– التأكيد ان مفهوم “الوسطية” هو المسار الطبيعي الذي لا بديل منه لحماية كيان الوطن.
– الطلب الى وسائل الاعلام عموماً اعتبار المسائل المرتبطة بـ”الوسطية” أولوية ثقافية ينبغي تعميمها من خلال تنظيم ندوات تلفزيونية وصحافية من جانب مجموعة من رجالات الفكر والاعلام وطرح مناقشة فكرة الوسطية.
– تكليف منتدى الوسطية في لبنان بالتعاون مع المنتديات الأخرى للوسطية في العالم العربي اعداد دليل للمصطلحات الاعلامية المعبرة عن “ثقافة الوسطية” (…).
– دعوة وسائل الاعلام كافة، بما تمثل من دور في المجتمع، الى تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية الضيقة والحسابات السياسية الآنية والمذهبية، وتعزيز اعلام المواطنة عبر تسليط الضوء على اهمية المواطنة في المجتمع من دون اغفال القيمة المضافة التي تميز لبنان كأرض لتفاعل الحضارات والثقافات.
– دعوة الوسائل الاعلامية الى ارساء مفهوم الاعلام الذي يهتم بقضايا المجتمع والممارسات الديموقراطية ومفهوم الحرية بكل ابعادها والدفاع عن المصلحة العامة لحماية الرأي العام، ورفض تحول وسائل الاعلام مجرد وسيلة تركز على الترفيه والتسويق الاعلامي فحسب، او تنزلق الى التجييش الطائفي والمذهبي الذي يترك مفاعيل سلبية على نهج الاعتدال الذي يشكل سمة الخيارات الوسطية.
– دعوة المؤسسات الوسطية الى انشاء مراكز بحثية متخصصة للدراسات الاعلامية تؤمن الاتصال مع وسائل الاعلام كافة وترفدها بكل المستلزمات الضرورية لنشر ثقافة الوسطية، ويكون من مهمات هذا المركز انتاج برامج ووثائقيات داعمة لتوجه “فكر الوسطية” وتذليل العقبات التي تعوقه (…).
– تأكيد توصيات المؤتمر الاول في جعل هذا المتلقى حدثاً سنوياً يقام في مدينة الاعتدال في لبنان، طرابلس الفيحاء، ويلتقي فيه المفكرون والباحثون لمناقشة “فكر الوسطية” (…).
صدر في الجريدة الرسمية بيان العلم والخبر الصادر عن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود في 11 شباط 2009 بتأسيس جمعية باسم “منتدى الوسطية في لبنان”.