الاثنين, شباط 23 2009 الموافق 27 صفر 1430
طرابلس ــ حسام الحسن: إختتم منتدى الوطية في لبنان امس، أعمال الدولي الثاني للوسطية في لبنان تحت عنوان: ، أعماله لليوم الثاني على التوالي، وذلك في مشاركة الرئيس نجيب ميقاتي وحشد كبير من الشخصيات السياسية ورجال الدين والمفكرين و وممثلي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والهيئات النقابية والأهلية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية.
وأكدت الكلمات على أن الوسطية هي الرهان المستقبلي والخيار الصائب وهي منهج وتوجه راسخ وثابت لدى الامة، وأشارت الى ان الوسطية الحقيقية تفسح في المجال لإجراء مقاربات لكافة القضايا الخلافية المطروحة. مشددة على أن نواب الوسط سيكون لهم لون لبناني وطعم بلدي ورائحة وطنية.
وكان اليوم الأول من المؤتمر قد شهد جلستين، حملت الأولى عنوان ، ورئستها وزيرة الاعلام الاردنية السابقة ليلى عبدالحميد شرف، وتضمنت 4 أوراق، تقدمتهم ورقة رفيق خوري رئيس تحرير جريدة الانوار الذي تناول فيها ، فقال: ، موضّحا أنّ الإعلام الموضوعي يقوم على الحريّة المثلّثة التي تتضمن حرية التفكير والتعبير والتغيير ، فالتعبير بدون تغيير دوران في الفراغ، وحرية التعبير بدون المعلومات تعني فقدان الجوهر، وعندما يكرر الإعلام نفسه لا يستطيع أن يكون متوازنا>، ومشددا على أنّ الإعلام الجيد هو الإعلام الذي يفتح الملفات حتى النهاية.
ثمّ تناول الأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور ساسين عساف موضوع معتبرا أنّ الثقافة اصطلاحا عبارة عن ، شارحا العلاقة بين الإعلام وأنظمة الحكم، ولافتا إلى انّ العلاقة في الحكم الأوتوقراطي هي علاقة احتكار، في حين أنها في النظام الديمقراطي علاقة انفتاح تقوم على حرية مقيدة بقوانين وأنظمة مرعية الإجراء يحددها دستور الدولة الضامن للحريات العامة ومنها حرية التعبير. ومحذّرا من أنّ الحريةّ الإعلامية في الأنظمة الديمقراطية قد تستغل في بعض الأحيان لتكون غلافا لما يناقض جوهرها ووظيفتها التغييرية عبر تحكّم رأس المال بها، أو عبر تحكّم الإعلان بها. وموضّحا أنّ الإعلام الباحث عن زبائن سواء أكان إعلاما تجاريا يتوخى الربح المادي أو إعلاما سياسيا يتوخى الكسب الشعبي، هو إعلام فاشل ، داعيا إلى ضرورة خلق البيئة القانونية والثقافية المساعدة كي يتمكن الإعلام من لعب دوره في ثقافة التغيير.
وتطرّق رمزي النجار في ورقته لـ ، معتبرا أنّ الوسطية المتحررة من قيود المصطلح الظالم تعاني من القاء التهم عليها جزافا مثل كل المدارس السياسية الأخرى دون استثناء، لكن ما يميز الهجوم على الوسطية حصرا الانطباع المعمم والمسطّح الذي تجنح اليه بعض العقول من باب السهولة وما يعرف بـ>عداوة ما نجهل>. مضيفا أنّ الوسطية في طرفي اليسار واليمين هي الخلاصة، فاذا بلغ الاصطفاف لدينا اليوم مداه الأقصى بين 8 و14 آذار، فالوسطية أيضا وأيضا هي الخلاصة. ثم ضرب النجار عددا من الأمثلة عن الثوابت المنطقية والدلائل التاريخية القديمة والمعاصرة عن الوسطية، مشيرا إلى انّ الوسطية ليست مبتدعة وانما راسخة منذ بدء نضج العقل البشري أمثلة من التاريخ السياسي الحديث عن الوسطية، واختتم بالقول انّ الوسطية، المستقلون أو الأكثرية الصامتة كلها مرادفات لمفهوم واحد مقتبسا كلاما للرئيس الأمريكي الراحل أيزنهاور يفيد فيه منذ أكثر من 60 عاما أنّ وسط الطريق يعني المساحة السليمة للسير وللاستعمال، بينما طرفي الطريق الأيمن والأيسر يشكلان حدود الانزالاق والتهوّر.
وانهى فايز السنكري صاحب جريدة التمدن هذه الجلسة بالحديث عن مشيرا إلى انّه وعلى الرغم من التداعي الكبير الذي أصاب هيكل الدولة في مراحل حرجة عديدة، الاّ أنّ الإعلام الوسطي استطاع أن يبقى، ولم يسقط في فخ اثارة الغرائز وبقي عصيا عن التطويع وكان عليه أن يلعب دورا رياديا وقياديا على مستوى لبنان والوطن العربي، مستخدما المساحة المتاحة له وان ضاقت. وأضاف> عندما تغيب كافة السلطات الأخرى، تبرز أهمية الإعلام وسلطته وهنا تكون مسؤوليته أكبر. وبخلاف ما يعتقد الكثيرون، فانّ مسؤولية الإعلام المكتوب أكبر من أي إعلام آخر….وأنّ الوسطية لا تعني أبدا عدم الانحياز إلى الحق أخلاقيا وإنسانيا تجاوبا مع حريات الناس وتطلعاتهم وآمالهم، والوسطية لا تعني أيضا تنازلا أو خضوعا أو خنوعا، ومسؤوليتها الحفاظ على السلم الاجتماعي ورفع الظلم والدفاع ضد العدوان والتوعية من المخاطر>، داعيا إلى ضرورة النظر إلى الأمور برؤية أبعد من حماسة قد تكون انتحارية أو تهوّرية.
أمّا الجلسة الثانية، فقد حملت عنوان ، ورئسها صلاح سلام رئيس تحرير جريدة اللواء الذي مهد لمداخلته بالقول: أود أولاً أن أهنئ الرئيس نجيب ميقاتي على مبادرته السباقة في تبني فكرة إطلاق ثقافة الوسطية في لبنان في مرحلة كاد يغيب فيها كل ما له علاقة بالفكر الوسطي في السياسة اللبنانية. ويبدو أن لدولته دوراً بارزاً في اقتراح كتلة الوسط التي كثر السجال حولها مؤخراً، والتي ستثبت الانتخابات النيابية المقبلة أن نواب الوسط لهم لون لبناني وطعم بلدي ورائحة وطنية.
ثم ألقى الزميل سلام كلمته بعنوان: المفاهيم والدلالات المعززة لثقافة الوسطية وجاء فيها الآتي:
يسعدني ويشرّفني أن أكون مع هذه النخبة اللامعة من العلماء، نبحث ونناقش في دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية، هذه الثقافة التي عادت تأخذ مكانها في الفكر الإنساني الحديث بعدما غيّبتها ردحاً من الزمن، الأيديولوجيات الشمولية والمتطرّفة وممارسات الرأسمالية الجشعة، حيث طغت ثقافة التطرّف على قاعدة ، و، دون أي التزام للحد الأدنى من مستلزمات المنطق، أو حكمة تدبير الأمور.
الواقع أن الفكر الوسطي ليس ظاهرة جديدة في الثقافة الإنسانية. فالإسلام بشّرنا بالثقافة الوسطية قبل ألف وخمسماية عام، عندما وصف القرآن الكريم أمّة المسلمين بالأمّة ، كما ورد في قوله تعالى في سورة البقرة (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) الآية 143.
واعتبر بعض العلماء أن هو بمثابة القمة، أي المكان العالي، فإن الواقف فيه يطل على الطرفين المحيطين به، كمن يقف على قمة جبل ويستطيع أن يطل على جانبي الجبل يشاهد من تحته، ويشاهدونه أيضاً في الوقت نفسه. أي أن فكر الوسط قادر على التعايش والتفاعل مع ما يحيط به من تنوع ثقافي وديني وحضاري بيسر وإيجابية لا تتوافر عند أهل التطرّف في طروحاتهم ولا عند أهل التعصّب في ممارساتهم.
من هنا نستدل على المفهوم الأول للثقافة الوسطية: الاعتراف بالآخر، القبول به والتعايش معه
ومن هذا المفهوم الأساسي نستطيع أن ننطلق في رحاب الوسطية في أجواء مريحة من الاعتدال الذي يجب أن يحيط بكل أفكارنا وبكل تصرّفاتنا، بعيداً عن الغلوّ والتطرّف، وبمنأى عن الانغلاق والتقوقع.
فالاعتدال هو المفهوم الثاني للثقافة الوسطية، يحمي الفرد والمجتمع والأمة من الوقوع في غلواء الجهل والغرور والتطرّف، ويشجّع الانفتاح على الحضارات الإنسانية والأخذ منها بما يفيد مجتمعاتنا ويعزز تجاربنا، بكل ما يعني ذلك من فتح الأبواب أمام الأمة للخروج من عزلتها، ومغادرة بؤر الجهل والتخلّف، والمشاركة بفعالية في مسيرة الحضارة الإنسانية.
كلمة في لغة العرب تطلق أيضاً على ، كما يقول علماء اللغة. والخيار هو نتيجة الاقتناع، والاقتناع ينتج عنه .
الوسطية إذن، وهذا المفهوم الثالث، ليست حالة متذبذبة أو مترددة بين موقف وآخر، أو بين حالة وأخرى، أو بين قرار وآخر، ولا هي حالة رمادية بين الأبيض والأسود، وواهمٌ من يعتقد أن لا طعم لها ولا رائحة ولا لون، لأن الوسطية هي خيار معتدل وموضوعي، واضح وصريح بين خيارات إما تميل الى المغامرة والتهور والتشدد، أو أخرى تجنح الى الجمود والتقوقع، وما هو على قياس الحالتين في التطرّف يميناً ويساراً، فكراً وممارسة.
والاتجاه الى خيار الوسطية غالباً ما يتم بعد اليأس من الرهان على الخيارات الأخرى، التي تكون استنفدت محاولاتها، وفشلت في تحقيق أهدافها وأحبطت آمال جماهيرها.
والوسطية بما تعني خياراً وموقفاً وقراراً أبعد ما تكون عن المساومة والمفاوضة في قضايا العدل والخير والحق، بمعنى الوقوف في نقطة الوسط بين الخير والشر، وبين الحق والباطل وبين العدل والظلم، لأن الوسطية، وهذا المفهوم الرابع، بما تحمل من قيم كرّسها الخطاب القرآني كما أسلفنا في بداية كلمتنا، تقف دائماً الى جانب الحق والعدل والخير ضد الشر والظلم والباطل.
أن نقول نحن أمة وسط يعني نحن من أهل التسامح والتعفف عن الحقد والتعصّب، وننبذ غريزة الثأر والانتقام. والتسامح، وهو الخامس في المفاهيم المعزّزة لثقافة الوسطية، يعني العفو عن الإساءة، والارتفاع فوق مستوى الجراح والآلام الشخصية أو الفئوية، لمصلحة المجتمع والأمة والوطن. والتسامح ليس ضعفاً بقدر ما هو رقيٌّ يسمو فوق الغضب ويرتفع فوق مشاعر الكراهية والانتقام، ولا هو تراجعٌ بقدر ما هو إقدامٌ على إستيعاب الإشكال قبل أن يتحوّل الى مشكلة تتدحرج مثل كرة الثلج لتصبح أزمة مستعصية.
أما الدلالات المعززة لثقافة الوسطية فحديثها يطول ويتشعّب.. ونختصره بالاجتهاد الذي أورده سماحة مفتي جمهورية مصر العربية العلاّمة الشيخ علي جمعة في حديثه عن ملامح الوسطية في القرآن الكريم والتي اختصرها بأربعة حسب مقاله المنشور في جريدة يوم 23 شباط عام 2007، والذي جاء فيه:
ملامح الوسطية في القرآن باعتبارها تكليفاً تتمثّل في:
1- العلم وأساسه الآيات: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) [سورة العلق/ الآية الأولى]، (وقل ربِّ زدني علماً) [سورة طه، الآية 114]، (نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) [سورة يوسف الآية 76]، (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..) [سورة الزمر، الآية 9].
2- العمل وأساسه الآيات: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) (سورة التوبة، الآية 105]، (والله لا يضيع أجر من أحسن عملا) [سورة الكهف، الآية 30]، الى ما لا حصر له من الآيات. 3- الاتحاد وأساسه الآيات: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم…) [سورة الانفال، الآية 46].
– (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا..) [سورة آل عمران، الآية 103].
– (ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [سورة الانبياء، الآية 92].
4- التعارف وأساسه الآيات: (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عندالله أتقاكم، إن الله عليم خبير) [سورة الحجرات، الآية 13].
ثم يستعرض المفتي علي جمعة خطاب سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، الى مالك بن الاشتر حينما أمره بالذهاب الى مصر لولايتها، ويأخذ منه ملامح هذا التكليف الذي يرقى الى مرتبة الوسطية، ولا مجال للخوض في تفاصيل ذلك في هذه العجالة.
ولكن لا بد من الاشارة الى اهمية العمل على توفير البيئة المناسبة لتعزيز الوسطية وتعميمها، وذلك من خلال تحسين أوضاع البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تنمو فيها بؤر التطرّف وتجد فيها تيارات العنف والغلو والتعصّب الأرض الخصبة لنشر أفكارها، مستغلّة واقع الجهل والتخلّف الذي يهيمن على أحوال تلك المناطق.
وليس من السهل التمكّن من نشر ثقافة الوسطية وتعزيز مفاهيمها في بيئة تفتقد الى الانماء الاجتماعي والاقتصادي، والتربوي والثقافي، وكلنا يدرك مدى تأثير عوامل البيئة المتخلّفة انمائياً وثقافياً على ظهور تيارات العنف والتطرّف، ونشر الافكار الظلامية الهدامة، في اكثر من منطقة من العالمين العربي والاسلامي.
أيها الأخوة،
لقد أكرم الله هذه الأمة بأن جعل موطنها في منطقة الوسط جغرافياً بين الشرق والغرب، فأتيح لها أن تجمع بين روحانية الشرق ورومانسيته، ومادية الغرب وواقعيته، وكانت على مر العصور جسراً للحوار والتواصل بين الأديان والحضارات.
فهل نحن قادرون على التمسّك بمبادئ الوسطية وما تعنيه من انفتاح واعتدال، وحوار وتسامح واعتراف وقبول بالآخر، سبيلاً وحيداً متاحاً للخروج من أزماتنا ..؟
عبد الحفيظ
امّا هايل عبدالحفيظ،استاذ كلية الشريعة في الأردن فقد تحدّث عن ، معتبر انّ الإعلام يلعب دورا حيويا في صياغة العقول والرأي العام والتحولات السياسية والاجتماعية خاصة بعد انتشار الفضائيات والانترنت، علما انّ الإعلام يستخدم في الدعوة الإسلامية وهذا ما يجعل الأمة الإسلامية أمّة إعلامية في أصلها. كما ودعا هايل إلى أن يكون الإعلام مسؤولا وملتزما ومعبرا عن ثقافة وقيم الأمة والحضارة الإسلامية، وإلى ترسيخ المفاهيم الصحيحة للإسلام وتخليصه من الأوهام وتدعيم الثقافة الإسلامية والالتزام بالضوابط الشعرية كالدقة في نقل المعلومات والتثبت منها وضرورة استخدام الكلمة الطيبة وان يتّصف الإعلام بالإنصاف وعدم التحيّز والتوازن.
واختتم عبدالحميد الأنصاري استاذ في كلية القانون في قطر الجلسة بورقة حول معتبرا انّنا نواجه تحدّ خارجي متمثل بالعدو الصهيوني وتحد داخلي متمثّل بالتخلف، وداعيا إلى ضرورة التمييز بين الوسطية كفكر ومبدأ وقيمة من جهة، وبين ممارسات وسلوك وخطاب يروّج له بالساحة على أنه خطاب وسطي، مطالبا بالحاجة إلى تفعيل ثقافة الاعتدال والتسامح عبر إجراءات عملية، ومؤكدا على أنّ الوسطية هي الرهان المستقبلي والخيار الصائب الذي لا بد من دعمه عبر منهجية وآلية وخطط تعمل على تفعيله عمليا وتحكم الإطار الديني.
وتضمن اليوم الثاني من المؤتمر جلستين، حملت الأولى عنوان ، ورئسها مروان فاعوري المنسق العام للمنتدى العالمي للوسطية ورئيس منتدى الوسطية للفكر والثقافة، وألقيت فيها خمس أوراق، تقدمتهم ورقة محمد طلابي تحت عنوان: ، أكّد من خلالها أنّ الوسطية ستبقى سؤالا وستستمر، لكننا نريدها أن تكون أسلب حياة، لافتا الى أنّ منهج الوسطية كطريقة من طرائق التفكير تعمل على تحديد مفاهيم التركيب، الزوجية، المفدار.
فالوسطية منهج ثابت في عقيدة المسلمين منذ البدء ولاشيء بعدها ، مؤكدا على انّ الاسلام وحده دون سائر الأديان القادر على المزج بين الشريعة والحداثة والعقيدة، أي بين الديني والدنيوي، وهذا هو الوسط في حد ذاته وعينه.
ثم القى أبو العلا ماضي ورقته عن مشيرا الى انّ الاسلام واحد لكنه لا يدخل على البشر بشكل مجرد وانما يحصل تفاعل مع البيئة والعادات والقيم ينتج عنه وجود مسلمين متعددين بناءا على الفهم الخاص، مؤكدا انّ الوسطية ليست أمرا طارئا في حد ذاته وانما مفهوما راسخا، تنعكس في أشكال عديدة لا يمكن احتكارها أو حصرها من قبل أشخاص أو مجموعة أو حتى حزب، شارحا دور العلماء والمفكرين المعاصرين في تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية، ومتطرقا الى حزب الوسط في مصر كحالة عملية عن تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية.
ثم تناول جاسم سلطان في ورقته متحدثا عن تحديات النهضة المعاصر، داعيا الى استعادة الثقة بالقدرة الذاتية وتحرير الابداع، والقضاء على الأفكار الانقسامية من جذورها، لافتا الى انّ مضمون الخطاب النهضوي يرتكز على تقدير التراث لا تقديسه والتصدي للأفكار القاتلة وبعث الأمل في تحرير الامكانات، وبث مشروع النهضة في الأجيال الشابة لكي تصبح هي منبع التحولات التي نريدها ونسعى اليها، مؤكدا أنّ مشروع النهضة والوسطية لن يظل في فضائه النظري وهو انتقل فعليا الى المجال العملي، وهذا ما نحتاجه في المرحلة المقبلة لتوسيع نطاق المشاريع التي هي من صلب المشروع الأم .
وتحدثّ عمرو الشوبكي في ورقته عن مؤكدا أنّه ليس مع فكرة تدريب وتخريج مجموعة من الشباب في المجال الاعلامي يمثّلون الوسطية على اعتبار انّه من قواعد الاعلام عدم الاختزال لأن ذلك يحجّم من رسالة الوسطية ويعطيها صبغة محدودة، في حين أن تكون الوسطية مرجعية نستمد من خلالها القوة والمصداقية، وتكون التجربة محكومة على ادائنا وليس على فكر الوسطية، منوّها بالخبرة التركية ودور منظمات المجتمع المدني هناك وبعض رجال الدين والعلماء والأحزاب السياسية ذات التوجه الوسطي.
واختتمت الجلسة بورقة لـ سعدالدين عثماني، تناول فيها ، معرّفا الوسطية على أنها ليست مذهبا او طائفة، فهي منهج وتوجه راسخ وثابت لدى الأمة، مشيرا الى أنّ من سمات الوسطية الاعتراف بالآخر والاعتدال والاستفادة من الغير والتفاعل المستمر والحوار المفتوح مع الحضارات والثقافات والديانات المختلفة، ومتحدثا عن 3 تحولات أساسية عالمية أهمها بروز مجتمعات المعرفة على اعتبار أنّ من يمتلك المعرفة يمتلك القوّة، وتزايد صراع الهيمنة على مختلف الأصعدة، وبروز الأزمة النقدية والاقتصادية الأخيرة.
أمّا الجلسة الرابعة والأخيرة من المؤتمر فقد حملت عنوان ورئسها طلال سلمان، وألقيت فيها خمس أوراق، تقدّمتهم ورقة الأب طوني خضرة، تحت عنوان ، معتبرا أنّ الوسطية بمفهومه هي التوسط لايجاد مساحة من الحوار وليس للتقريب بين الحق والباطل، فالوسطية ليست التقاءا بين طرفين متطرفين. كما تطرق الى العلاقة بين المفهوم الصحيح للسياسة والمفهوم الصحيح للدين معتبرا أنّ العلاقة بينهما هي علاقة تكاملية لخدمة الناس، داعيا الى ايجاد التيار الوسطي في لبنان الهادف الى ايجاد مساحة من الحوار، ومختتما بالتذكير بقول الرسول لوقا معتبرا انّ هذا هو مفهوم الوسطية.
وتحدثت مارلين خليفة فيما بعد عن ، مشيرة الى أنّ دور الوسطية في الاعلام يرتكز على تظهير المواقف كلها على تناقضها وتنافرها، واتخاذ القرار المناسب منها ولكن من دون تحريض. فالوسطية في الاعلام خيار ونهج وسلوك يبتعد عن التحريض ويحلل لاأمور بهدوء وروية ورصانة. والوسطية لا يمكنها ان تجمع بين الحق والباطل، لافتتا الى انّ المسهد اللبناني الاعلامي يعاني من غياب ا لوسطية والتطرف في معالجة الحوادث وهو أمر لا يقتصر على الاعلام المرئي وانما المكتوب والمسموع وان بشكل أقل، داعية الى اعتماد 4 نقاط أساسية لتعزيز مهمة الاعلام المسؤول وتتمثل بـ .
ثم تحدّثت مريم آية أحمد وعلي في ورقتها عن كيفية تطبيق الوسطية في وقت تسود فيه ثقافة الأبيض والأسود، الهوية واللاهوية، والظلم والعدل، والظالم والمظلوم، معتبرة أنّ من أخطر الأسلحة الفتاكة المستخدمة حاليا برمجة الوعي الذاتي للفرد من قبل الآخرين بشكل يؤدي الى فقدان البوصلة ال وسطية الفكرية، داعية الى ضرورة الأخذ بآليات وسبل بناء الثقافة الوسطية، واعادة بناء موقع الوسطية بناءا حقيقيا عمليا وتفاعليا بحيث تحدث منعطفا حقيقيا في واقع المسلمين، وان نركّز على ما نريد أن نكون عليه ونصير اليه>.
مالك والقى مقبل ملك في ختام المؤتمر ورقة عادل مالك التي حملت عنوان مشيرا الى ان الوسطية ليست تهمة انما صفة تشير الى الرحابة في النظر الى الامور من زاوية عريضة وليس من الزاوية الضيقة، لافتا الى انّ الوسطية الحقيقية تفسح في المجال لاجراء مقاربات لكافة القضايا الخلافية المطروحة.
امّا عبدالحليم عويس ، رئيس تحرير جريدة التبيان المصرية فقد تناول لافتا إلى انّ المنهزم واليائس لا يمكن أنه يصنع حضارة أو وسطية، مركزا على أهمية التيارات الشعبية ضاربا المثال بالشعب التركي الذي أوصل أردوغان وغول عبر فعل شعبي استطاع أن يوظّف المساحة القليلة جدا المتاحة له من الحرية في أن يخلق بدائل ووسائل لتحدث التغيير المطلوب. ثم تحدّث عن مهمات التوظيف والتأثير الإعلامي ومنها تشكيل الوعي والتنشئة الاجتماعية والتبليغ والاتصال الإنساني، ومستعرضا العلاقة بين الإعلام العام والإعلام الإسلامي ليصل إلى خلاصة تؤكّد مدى الاتفاق بين الإعلاميين فيما يتصل بالموضوعية والعلمية وأسس الإعلام ومفاهيمه، ومختتما بالقول انّ خصيصة المنهج الإسلامي والإعلام الإسلامي هي خصيصة الوسطية التي تشكّل الطريق الواضح الفطري المنقذ لحضارة الإنسان.
ثم ناقش زكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة السعودية موضع وذلك من خلال الاشارة إلى انّ تجدد مفهوم الوسطية مرتبط بثلاث مسائل متّصلة في الاطار الإسلامي المعاصر. الأولى تتعلق بتطور الخطاب المعاصر داخل التيار الإسلامي حول مفهوم الوسطية، حيث أخذ الحديث عن هذا المفهوم يتسارع دافعا مختلف الأوساط الفكرية والسياسية إلى التدافع اليه والتسابق عليه لمحاولة تمثيله والتعبير عنه والتعريف عن أنفسهم من خلاله. امّا المسألة الثانية، فتتعلق في التطور الحاصل في مفهوم النظر إلى الوسطية من خلال التخاطب مع الذات بعد أن كان ذلك ينحصر في اطار النظر والتخاطب مع الآخر. امّا المسألة الثالثة فتتعلق بفحص مفهوم الوسطية لتحديده وكشف أبعاده وتبيان معالمه وازالة ما يشوبه من ضبابية وغموض وذلك نظرا للتدافع والانتساب إلى هذا المفهوم من قبل جهات متعددة وهو ما يفرض ضرورة إخضاعه للفحص كي لا يصبح مجالا للادّعاء من قبل الغير.
ثم عالج محمد الخطيب مساعد عميد كلية الشريعة في الأردن موضوع مجملا اياها بـ10 معوقات رئيسية لا يمكن العمل على نشر الوسطية دون اجتيازها ومنها أزمة الهوية واختلال القيم والمعايير في العديد من وسائل الإعلام التي عملت على طمس الهوية وهدم القيم في كثير مما تبث، ومنها غياب أجندة مدروسة موحدة لوسائل الإعلام واتجاهها لتكون مجرد تابع للإعلام الغربي، ومنها ظاهرة النفاق عند بعض وسائل الإعلام العربية التي اصبحت بوقا للأنظمة أو الأشخاص بشكل يجعلها غير قادرة على القيام بالمهام الموكلة اليها. ثم تابع الحديث عن المعوقات وشملت التباس الفهم في مفهوم الوسطية، والافتقار إلى النمو ذج القدوة في الإعلام، والحرب النفسية ضد العرب والمسلمين، وربط الفكر المنحرف بكبار المفكرين، وعدم افساح المجال للرأي الآخر، والإغراق في مواجهة التطرف بتطرف آخر، والهم التجاري والكسب المالي على حساب المبادئ والقيم.