افتتاح مؤتمر دور الإعلام في ثقافة الوسطية

ميقاتي: ثقافة الوسطية للتنوير والتوعية

دعا الرئيس نجيب ميقاتي الى “تعزيز اعلام المواطنة، لأننا نرى في اعلام الطوائف والمذاهب خطرا على هذه الطوائف وتلك المذاهب في بلاد مثل لبنان، لا تستسيغ الغالبية الكبرى من أهله التطرف، بل تدعو الى احترام الاقتناعات والخيارات ومناقشتها بالحجج والمنطق والموضوعية”. ورأى في “”تعزيز ثقافة الوسطية تعزيزا للحرية الاعلامية وحمايتها، وصوناً للديموقراطية التعددية، وحفظا التوازن في الممارسة والتعبير”.

نظم ” منتدى الوسطية في لبنان ” المؤتمر الدولي الثاني للوسطية في لبنان بعنوان: ” دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية” في فندق “كواليتي ان” في طرابلس امس، في حضور راعي المؤتمر الرئيس ميقاتي، وزير الاعلام طارق متري، النائبين روبير غانم وسمير الجسر، العميد سمير الشعراني ممثلا الوزير محمد الصفدي، الوزير السابق سامي منقارة، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى الوزير السابق عمر مسقاوي، النائب السابق أحمد كرامي، نقيب المحامين في الشمال انطوان عيروت، المفتي الشيخ طه الصابونجي، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء رشيد جمالي، منسق “تيار المستقبل” في الشمال عبد الغني كبارة، وحشد من الشخصيات الاعلامية والنقابية والأهلية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية وفاعليات شمالية.

بعد كلمة من عريف الاحتفال مقبل ملك، القى الدكتور عبد الاله ميقاتي كلمة باسم المنتدى قال فيها ان “لغة الاعلام الوسطي جامعة، وليست لغة اجماع، لأنها لغة الحوار الهادئ والمناقشة المتزنة، وهي لغة واسعة تتحمل الاختلاف، لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. كذلك تحتمل المناقشة الفكرية، بل تدعو اليها، لأن في المناقشة تولد الحقيقة”. وشدد على ان لغة الاعلام الوسطي حضارية تسعى الى نقل المعلومات الصحيحة ومخاطبة الفكر وتحجيم التطرف ورفض التعنت، كأنها السهل الممتنع. وهي سهلة الممارسة، أطرها منفتحة، تواصلها مع الجميع، عصية على الارهاب والعنف، وتأبى الاكراه والظلم، وترفض اثارة النعرات والغرائز”.

تلته عضو مجلس الاعيان الاردني ليلى شرف بكلمة شددت فيها على “اننا نحتاج اليوم الى حركة تنموية نهضوية شاملة لمجتمعاتنا العربية، حركة اصلاحية جذرية متعددة الجوانب، قوامها الوسطية في الفكر والعمل والتعامل مع مرجعياتنا الحضارية”. وقالت: “لذلك تبدو الحاجة ملحة الى العودة الى احياء فكر الوسطية في عقول مواطنينا ونفوسهم، ونهجا لمجتمعاتنا وهوية لحضارتنا. وأي برنامج اصلاحي تطويري تنموي لا يمكن أن يكون فاعلا أو مستداما اذا لم تسانده عقليات جديدة ومواقف متطورة تمثل الأسس الفكرية والأخلاقية التي يقوم عليها هذا الاصلاح”.

من جهته، اعتبر وزير الاعلام المصري السابق أحمد أبو المجد ان “الوسطية نهج فكري وعلمي تعالج معضلة لا يتفرد بها عالمنا الاسلامي والعربي، وهي ظاهرة الأحادية والظهور في المواجهات والغلو التي أخذت تشكل خطرا على مجتمعاتنا”. ورأى أن “خطر الغلو والتطرف ليس مقتصرا علينا. فالعصر عصر العنف ونعيش في ظل نظام عالمي يغيب فيه عنصر التوازن”.

كذلك، القى النائب غانم كلمة قال فيها ان “الوسطية مفهوم ومصطلح يتعرضان منذ مدة لمختلف عمليات الخطف والتبسيط والاستحواذ، وحتى الاتهام”. وشرح ان مفهوم الوسطية يشمل مفهوم الاعتدال والقصد والتيسير، كما يشمل التوازن والاستقامة…”، مشيرا الى ان “الوسطية تبرز في سياق السياسة الاجتماعية أنها تعزيز لقيم المواطنة واعلاؤها فوق الانتماءات الأخرى، أكانت طائفية أم مذهبية، أم حتى من العشائرية القبلية الى الأيديولوجية”.

وشدد على ان “الوسطية سلوك متزن قائم على ارساء أسلوب الحوار، ويتوخى أن يصل الى وجهة الفهم، كما يقصي عن ممارساته الغلو والتطرف والعناد في الرأي، ويستعيض عنها بالوعي ومقاربة الزوايا الحادة بالموضوعية المجردة”، مشيرا الى ان “مبدأ الوسطية هو أن لا احد يملك الحق المطلق، ولا وكالة حصرية في السياسة. واذا كانت السياسة علم الممكن، فهي ايضا علم الوسطية بمعنى رفضها أن تصبح ثابتة راسخة كحقيقة علمية مطلقة…”.

من جهته، قال الوزير متري أن “الاعتدال الذي ندعو وسائل الاعلام اللبنانية اليه ليس في اي شكل من الاشكال تنازلا طوعيا عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية. وليس الاعتدال احجاما عن اتخاذ المواقف، ولا مسايرة للجميع، أو تجاهلا للاختلاف بينهم او حيادا في مسائل هذا الاختلاف، بل هو في المقام الاول صنو العقلنة واحترام الآخر والحوار في بلاد متنوعة يهدد فيها الغلو والتطرف الوحدة والسلم الاهلي والاستقرار. والاعتدال موقف معرفي وأخلاقي يحاكي قواعد السلوك المهني في الاعلام التي تقوم على مبادئ تبدو بديهية، غير أن بديهيتها لا تقلل أهميتها.

فالاعتدال يقوم على الحق في المعرفة والتعبير عن الآراء المتنوعة، ويعطي فهم الوقائع الأولوية، وهي أولوية الخبر على الرأي. ويقتضي الاعتدال الإحجام عن نشر كل ما يحضّ على العنف والكراهية بين اللبنانيين ويدعو الى الانتقام ويستخدم لغة الشجار والتحقير والاقذاع والاغلاظ والبذاءة والتهكم المسيء الى كرامات الجماعات والأشخاص”.

واعتبر ان “أخذ النفس بالشدة وضبط الألسنة عن كلام السوء هو باب الاعتدال الذي التأمنا لتعزيزه بفضل منتدى الوسطية في لبنان وعلى همته”.

ثم ألقى الرئيس ميقاتي كلمة جاء فيها: “كثرت في المدة الاخيرة قراءات وتفسيرات وتعليقات تناولت الوسطية، بعضها من منظار سياسي مرتبط بالاستحقاق الانتخابي المقبل، وبعضها الآخر من منطلق التمسك بأحادية الرأي والتمثيل، والبعض من موقع التردد والضياع في تحديد الخيارات أو عدم وضوح ماهية الوسطية ومفاهيمها لديه. فالوسطية تؤمن القدرة على التفكير العميق والمتوازن، ورؤية الواقع كما هو، والعمل على تغييره نحو الافضل.

وهي ليست منهجية متصلبة جامدة، بل عملية مستمرة ومتتابعة تحتاج الى عمل وتعزيز مستمر، وجهود دائمة تحضّ على مسلك الوسطية وسلوكه في حياتنا اليومية والعملية. والوسطية فكر وعقيدة ونهج يشمل كل مكونات الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث الانسان هو القيمة الأساسية والمحورية التي يجب العمل على انمائها وتطويرها. فمستقبل وطننا وأجيالنا نقطة الوسط والارتكاز التي يجب أن تجذب كل الحركة السياسية، ونعمل في سبيله ونسعى الى التفاعل مع كل مكونات المجتمع”.

واضاف: “الوسطية تسعى الى احتضان هواجس الناس وقلقهم وأوجاعهم، وبلورة طريق للتلاقي والتقدم نحو أفق أكثر استقرارا واشراقا، ضمن المفاهيم الأساسية لنظامنا الديموقراطي ومندرجاته. وثقافة الوسطية لا تعني بالضرورة الحديث عن تلك النظريات التي نبحث عنها بين الكتب والمؤلفات والدراسات، بل هي فعل ارادة طوعية ونهج الغالبية التي يطلق عليها بعضهم تسمية “الأكثرية الصامتة”. من هنا يبرز دور وسائل الاعلام في تعزيز الثقافة الوسطية، لأن من صلب مهماتها التنوير والتوعية والتثقيف، من دون تشويه الحقيقة أو التحريض الغريزي”.

وتابع: “اذا كان الاعتدال صنو الوسطية في السياسة والتعامل مع القضايا الوطنية، فان الموضوعية صنو الوسطية في الاعلام التي تعني أيضا، في مفهومنا، احترام الرأي الآخر من خلال احترام ارادة الرأي العام وخياراته المتعددة، كما تفرض اقران الرأي والموقف بالحجة والدليل والواقعية، واسقاط التفرد والاحتكار والنهائية التي نلاحظ، للاسف، وجود جنوح اليها لدى بعض الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية. لكنني أسارع الى القول أن الوسطية في الاعلام لا يمكن أن تعني، في أي شكل، افتقاد المبادرة والاكتفاء بردود الفعل، كذلك لا تعني عدم التزام الدفاع عن القضايا الوطنية الكبيرة، أو حماية أسس الوفاق الوطني ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات، وقيام سيادة الدولة وغيرها من الثوابت الوطنية التي لا مواقف وسط ممن يحاولون المساس بها أو الاساءة اليها”.

ورأى أن “الاعلام الذي يعبّر عن ثقافة الوسطية هو الذي يسلط الضوء على اهمية المواطنة في المجتمع، من دون أن يغفل القيمة المضافة التي تميز لبنان من خلال تعدد طوائفه وثقافاته التي هي مصدر غناه، ودورها الايجابي في تفاعل الحضارات والثقافات التي جعلت من بلادنا وطن الدور والرسالة”.

ونبه الى ان “الخطأ، كل الخطأ، في القول أن موقف الوسطيين هو “لا موقف”، ذلك أن عدم التزام أحد موقفين متطرفين هو موقف بذاته. ومن يحكم في صحة هذا الموقف هو الرأي العام الذي يفترض أن تنقل وسائل الاعلام رأيه بحرية وامانة وتجرد، لا ان تتناوب، عن ادراك أو غير ادراك، في الترويج للموقفين المتطرفين فحسب، فتحرم آنذاك مجموعات من الرأي العام من ابراز موقفها الوسطي، وتصادر حرية الانسان التي نجد في وسائل الاعلام المنبر الابرز للتعبير عنها”.

وشدد على ان “تعزيز ثقافة الوسطية تعزيز للحرية الاعلامية وحمايتها، وهو أيضا صون للديموقراطية التعددية، وحفظ التوازن في الممارسة والتعبير، مما يحد من الشطط الذي يؤدي الى ممارسات سلبية عانيناها في لبنان خلال المرحلة الماضية، وهددت ميثاق العيش المشترك الذي يعتبر الضامن الحقيقي لوجود الوطن”.

وقال: “نرى الوسطية في الاعلام دعوة دائمة ومفتوحة الى حوار ميدانه وسائل الاعلام، في كل ما يهمّ الناس من قضايا. ولا أعني هنا المواضيع السياسية فحسب، انما ايضا الهموم الحياتية والاجتماعية والانسانية والتربوية والثقافية والبيئية والصحية. ووحدها ثقافة الوسطية في وسائل الاعلام تؤمن المساحة الأرحب لحوار رصين ومتكافئ ومتوازن ومنتج، بعيدا من مفردات التجريح والشتم والتخوين والتهديد والاصطفاف التي تحفل بها وسائل اعلامنا هذه الايام، حيث سقطت، أو تكاد ان تسقط، كل القيم والمعايير والمقاييس والاعتبارات التي ميزت الاداء السياسي اللبناني قبل أجيال”.

المؤتمر الدولي الثاني تابع أعماله في طرابلس

واصل المؤتمر الدولي الثاني للوسطية في لبنان بعنوان: “دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية” أعماله امس في فندق “كواليتي. ان” في طرابلس، بمشاركة راعيه الرئيس نجيب ميقاتي، وحشد من الشخصيات السياسية ورجال الدين والمفكرين وممثلي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وهيئات نقابية وأهلية واقتصادية واجتماعية وتربوية ودينية.

الجلسة الأولى

وكان اليوم الأول من المؤتمر الجمعة شهد جلستين، الأولى بعنوان: “موقع الإعلام في فكر الوسطية”، وترأستها وزيرة الاعلام الاردنية السابقة ليلى عبد الحميد شرف، وتكلم فيها رئيس تحرير جريدة “الأنوار” رفيق خوري على “الموضوعية وشخصنة الإعلام”. وقال: “لا يمكن الحديث عن موضوعية في ظل الأنظمة الشمولية، بعكس الأنظمة الديموقراطية التي يمكن الحديث فيها عن نوع من الموضوعية الإعلامية”. ورأى ان “الإعلاميين جزء من حيوية المجتمع. وإذا فقد الأخير حيويته، فهذا يعني أن الإعلام سيعاني ضيق أفق”.

وتطرق الأستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور ساسين عساف الى “الإعلام وثقافة التغيير”، فحذر من أن “الحرية الإعلامية في الأنظمة الديموقراطية قد تستغل أحيانا لتكون غلافا لما يناقض جوهرها ووظيفتها التغييرية عبر تحكم رأس المال او الإعلان فيها”، معتبرا أن “الإعلام الباحث عن زبائن، أكان تجاريا يتوخى الربح المادي، أم سياسيا يتوخى الكسب الشعبي، هو إعلام فاشل”، داعيا إلى “ارساء بيئة قانونية وثقافية مساعدة كي يتمكن الإعلام من ممارسة دوره في ثقافة التغيير”.

وتناول رمزي النجار “جمهور الوسطية، وحاجاته الفكرية”، معتبرا أن “الوسطية المتحررة من قيود المصطلح الظالم تعاني القاء التهم عليها جزافا، مثل كل المدارس السياسية الأخرى من دون استثناء. لكن ما يميز الهجوم على الوسطية حصرا هو الانطباع المعمم والمسطح الذي تجنح اليه بعض العقول من باب السهولة وما يعرف بعداوة ما نجهل”. وقال: “الوسطية في طرفي اليسار واليمين هي الخلاصة، واذا بلغ الاصطفاف لدينا اليوم مداه الأقصى بين قوى 8 و14 آذار، فالوسطية أيضا وأيضا هي الخلاصة”.

وانهى صاحب جريدة “التمدن” فايز السنكري الجلسة بالحديث عن “دور الإعلام كسلطة رابعة في تعزيز ثقافة الوسطية”. وقال: “على رغم التداعي الكبير الذي أصاب هيكل الدولة في مراحل حرجة عدة، لم يسقط الإعلام الوسطي في فخ اثارة الغرائز، وبقي عصيا على التطويع، وكان عليه أن يمارس دورا رياديا وقياديا على مستوى لبنان والوطن العربي، مستخدما المساحة المتاحة له وان ضاقت”. وشدد على ان “الوسطية لا تعني عدم الانحياز إلى الحق، أخلاقيا وإنسانيا، تجاوبا مع حريات الناس وتطلعاتهم وآمالهم، ولا تعني أيضا تنازلا أو خضوعا أو خنوعا، ومسؤوليتها الحفاظ على السلم الاجتماعي ورفع الظلم والدفاع ضد العدوان والتوعية من الاخطار”.

الجلسة الثانية

وكانت الجلسة الثانية بعنوان “المفاهيم والدلالات المعززة لثقافة الوسطية”، وترأسها رئيس تحرير جريدة “اللواء” صلاح سلام الذي رأى ان “فكر الوسط قادر على التعايش والتفاعل مع ما يحيطه من تنوع ثقافي وديني وحضاري بيسر وايجابية لا تتوافر عند أهل التطرف في طروحاتهم، ولا عند أهل التعصب في ممارساتهم”. واعتبر ان “الثقافة الوسطية تقوم على 3 مفاهيم، الاول الاعتراف بالآخر والقبول به والتعايش معه، والثاني الاعتدال، والثالث عدم التذبذب أو التردد بين موقف آخر. وهي دائما إلى جانب الحق والعدل والخير ضد الشر والباطل والظلم”.

وتناول رئيس تحرير جريدة “التبيان” المصرية عبد الحليم عويس “الأسس والمفاهيم الإعلامية المعززة لثقافة الوسطية”، فقال ان “المنهزم واليائس لا يمكن أن يصنع حضارة أو وسطية”. واذ شدد على “أهمية التيارات الشعبية…”، توقف عند “مهمات التوظيف والتأثير الإعلامي، ومنها تشكيل الوعي والتنشئة الاجتماعية والتبليغ والاتصال الإنساني”، ليخلص الى أن “خصيصة المنهج الإسلامي والإعلام الإسلامي هي خصيصة الوسطية التي تشكل الطريق الواضح الفطري المنقذ لحضارة الإنسان”.

وناقش رئيس تحرير مجلة “الكلمة” السعودية زكي الميلاد “تجدد مفهوم الوسطية في الخطاب الإسلامي المعاصر”، مشيرا الى ارتباطه “بثلاث مسائل متصلة بالاطار الإسلامي المعاصر، الأولى تتعلق بتطور الخطاب المعاصر داخل التيار الإسلامي حول مفهوم الوسطية…، والثانية تتعلق بالتطور الحاصل في مفهوم النظر إلى الوسطية من خلال التخاطب مع الذات، بعدما كان ذلك ينحصر في اطار النظر والتخاطب مع الآخر. اما المسألة الثالثة، فتتعلق بفحص مفهوم الوسطية لتحديده وكشف أبعاده وتبيان معالمه وإزالة ما يشوبه من ضبابية وغموض، وذلك نظرا الى تدافع جهات عدة وانتسابها إلى هذا المفهوم، مما يفرض ضرورة إخضاعه للفحص، كي لا يصبح مجالا للإدعاء من الغير”.

وعالج مساعد عميد كلية الشريعة في الأردن محمد الخطيب “العوامل الإعلامية المعيقة في تعزيز ثقافة الوسطية”، مجملا اياها “بمعوقات رئيسية لا يمكن العمل على نشر الوسطية من دون اجتيازها، ومنها أزمة الهوية واختلال القيم والمعايير في العديد من وسائل الإعلام التي عملت على طمس الهوية وهدم القيم في الكثير مما تبث، ومنها غياب أجندة مدروسة موحدة لوسائل الإعلام واتجاهها لتكون مجرد تابع للاعلام الغربي، ومنها ظاهرة النفاق عند بعض وسائل الإعلام العربية التي اصبحت بوقا للأنظمة أو الأشخاص بشكل يجعلها غير قادرة على القيام بالمهمات الموكلة اليها”.

وتكلم الاستاذ في كلية الشريعة في الأردن هايل عبد الحفيظ على “العوامل الإعلامية المساعدة في تعزيز ثقافة الوسطية”، فاعتبر ان “الإعلام يمارس دورا حيويا في صياغة العقول والرأي العام والتحولات السياسية والاجتماعية، وخصوصا بعد انتشار الفضائيات والإنترنت، علما ان الإعلام يستخدم في الدعوة الإسلامية، مما يجعل الأمة الإسلامية أمة إعلامية في أصلها”. ودعا إلى أن “يكون الإعلام مسؤولا وملتزما ومعبرا عن ثقافة وقيم الأمة والحضارة الإسلامية، وترسيخ المفاهيم الصحيحة للاسلام وتخليصه من الأوهام وتدعيم الثقافة الإسلامية والتزام الضوابط الشعرية، كالدقة في نقل المعلومات والتثبت منها واستخدام الكلمة الطيبة، وان يتصف الإعلام بالإنصاف وعدم التحيز والتوازن”.

واختتم الأستاذ في كلية القانون في قطر عبد الحميد الأنصاري الجلسة بتناول “الخطاب الإعلامي للوسطية: كيف يجب أن يكون؟”، فقال: “نواجه تحديا خارجيا متمثلا في العدو الصهيوني، وتحديا داخليا متمثلا في التخلف”. ودعا إلى “التمييز بين الوسطية كفكر ومبدأ وقيمة من جهة، وبين ممارسات وسلوك وخطاب يروج له في الساحة على أنه خطاب وسطي”، مؤكدا أن “الوسطية هي الرهان المستقبلي والخيار الصائب الذي لا بد من دعمه عبر منهجية وآلية وخطط تعمل على تفعيله عمليا، وتحكم الإطار الديني”.

افتتاح مؤتمر دولي عن “الوسطية” ميقاتي رأى انها تعزيز للحريـة

الجمعة 20 شباط 2009

افتتاح مؤتمر دولي عن “الوسطية”

ميقاتي رأى انها تعزيز للحريـة

متري اكد انها ليست تنازلا

افتتاح المؤتمر الدولي عن دور وسائل الاعــلام في تعزيز ثقافــة الوسطية

ميقاتي رأى انها تعزيز للحريـة وحاميتهـا وصـون للديموقراطيـة التعددية وتحد من الشطط الـذي يؤدي الى ممارســات سلبيــة حصلــت سابقا

متري: الاعتدال ليس تنازلا أو احجاما عن اتخاذ القــرار بل صنـو العقلنـة انه موقف اخلاقي يقوم على الحق في المعرفـة والتعبيـر عن الآراء المتنوعة

غانم: الوسط اثبت نفسه مقررا لتغيير جذري ومثقالا لقرار رسّخ الديموقراطية

رأى الرئيس نجيب ميقاتي أن تعزيز ثقافة الوسطية هو تعزيز للحرية الاعلامية وحمايتها وصون للديمقراطية التعددية وحفظ للتوازن في الممارسة والتعبير، مما يحد من الشطط الذي يؤدي الى ممارسات سلبية عانينا منها في لبنان خلال الفترة الماضية، وهدرت ميثاق العيش المشترك الذي يعتبر الضامن الحقيقي لوجود الوطن. وشدد على أنه إذا كنا ندعو الى تعزيز اعلام المواطنة ، فلأننا نرى في اعلام الطوائف والمذاهب خطرا على هذه الطوائف وتلك المذاهب، في بلد مثل لبنان، لا تستسيغ الغالبية الكبرى من أهله التطرف بل تدعو الى احترام القناعات والخيارات ومناقشتها بالحجج والمنطق والموضوعية.

أما وزير الاعلام طارق متري فشدد على أن الاعتدال الذي ندعو وسائل الإعلام اللبنانية إليه، ليس بأي صورة من الصور تنازلاًَ طوعياً عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية وليس إحجاما عن اتخاذ المواقف ولا مسايرة للجميع أو تجاهلا للاختلاف بينهم او حيادا في مسائل هذا الاختلاف ، بل هو في المقام الاول صنو العقلنة واحترام الآخر والحوار في بلد متنوع يهدد فيه الغلو والتطرف الوحدة والسلم الاهلي والاستقرار.ورأى أن الميزة التي تؤسس ثقافة الوسطية فهي ما تحقق في طرابلس خلال العقود الأخيرة من مصالحة بين اللبنانية والعروبة.

وكان الرئيس ميقاتي رعى ، في حضور الوزير متري ومشاركته ، إفتتاح المؤتمر الدولي الثاني للوسطية في لبنان بعنوان دور وسائل الاعلام في تعزيز ثقافة الوسطية ” قبل ظهر اليوم في فندق كواليتي إن في طرابلس.
حضر المؤتمر رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية روبير غانم، النائب سمير الجسر، العميد سمير الشعراني ممثلا الوزير محمد الصفدي، الوزير السابق سامي منقارة ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الوزير السابق عمر مسقاوي، النائب السابق أحمد كرامي، ممثل النائب مصباح الأحدب العميد فضيل أدهمي، منسق تيار المستقبل في الشمال عبد الغني كبارة، المفتي الشيخ طه الصابونجي، نقيب المحامين في الشمال انطوان عيروط، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء رشيد جمالي، مديرة الوكالة الوطنية للاعلام لو سليمان صعب ، وحشد كبير فاق الـ 600 شخص، من رؤساء التحرير وأصحاب الصحف وممثلي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والهيئات النقابية والأهلية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية وفاعليات شمالية. وقامت بتنظيم المؤتمر “مجموعة الاقتصاد والأعمال”.
منتدى الوسطية

بداية كلمة عريف الحفل مقبل ملك ثم كلمة الدكتور عبد الاله ميقاتي باسم منتدى الوسطية في لبنان وفيها: إن لغة الإعلام الوسطي لغة جامعة، وليست أبداً لغة إجماع، لأنها لغة الحوار الهادىء والنقاش المتّزن، وهي لغة واسعة تحتمل الاختلاف، لأنّ الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضيّة، وكذلك تحتمل النقاش الفكريّ بل وتدعو إليه لأن في النقاش تولد الحقيقة. ولغة الإعلام الوسطي لغة حضارية تسعى إلى نقل المعلومات الصحيحة ومخاطبة الفكر وتحجيم التطرّف ورفض التعنّت. وكأنها السهل الممتنع. سهلة الممارسة، أطرها منفتحة، تواصلها مع الجميع، عصيّة على الإرهاب والعنف، وتأبى الإكراه والظلم، وترفض إثارة النعرات والغرائز.”

ثم ألقت عضو مجلس الاعيان الاردني ليلى شرف كلمة جاء فيها: نحن اليوم بحاجة إلى حركة تنموية نهضوية شاملة لمجتمعاتنا العربية، حركة إصلاحية جذرية متعددة الجوانب قوامها الوسطية في الفكر والعمل وفي التعاطي مع مرجعياتنا الحضارية. من هنا تبدو الحاجة ملحة للعودة إلى إحياء فكر الوسطية في عقول مواطنينا ونفوسهم ونهجا لمجتمعاتنا وهوية لحضارتنا. فأي برنامج إصلاحي تطويري تنموي لا يمكن أن يكون فعّالا أو مستداما إذا لم تسانده عقليات جديدة ومواقف متطورة تمثّل الأسس الفكرية والأخلاقية التي يقوم عليها هذا الإصلاح.
ثم ألقى وزير الاعلام الاسبق في مصر أحمد أبو المجد كلمة قال فيها: الوسطية هي نهج فكري وعلمي تعالج معضلة لا يتفرد بها عالمنا الاسلامي والعربي ، وهي ظاهرة الاحادية والظهور في المواجهات والغلو التي أخذت تشكّل خطرا على مجتمعاتنا . وقال: أن خطر الغلو والتطرف ليس مقتصرا علينا فالعصر هو عصر العنف ونحن نعيش في ظل نظام عالمي يغيب فيه عنصر التوازن.

والقى رئيس لجنة الادارة والعدل النيابية النائب روبير غانم كلمة جاء فيها: في ذاكرة لبنان التاريخية الكثير الذي يدل بالأمثلة كما بالبراهين على انّ لبنان يعشق الوسطية ويرتاح إليها ولعلّه من المفيد أن نعود إلى عام 1970 حيث ساهم تكتّل نيابي وسطي بطريقة فعّالة في الإطاحة بمرحلة سياسية طويلة تفككت برمّتها، وبدأت مرحلة جديدة بدءا من العام ذاته، ونعني تكتّلا أطلق على نفسه اسم “تكتّل الوسط”، وكان من أركانه الرئيسان الراحلان سليمان فرنجية وصائب سلام والرئيس كامل ا لأسعد. هذا التكتّل نجح، كما ساهم بفاعلية بفوز رئيس الجمهورية آنذاك بفارق صوت واحد ضدّ منافسه، فاذا بالوسط قد أثبت نفسه مقررا لتغيير جذري ومثقالا لقرار رسّخ الديمقراطية وبصوت واحد فقط.
وزير الاعلام

وألقى وزير الاعلام طارق متري كلمة قال فيها: غني عن القول أن تَفكُرَنا هذا يأتي في سياق منافسة سياسية تحيط بها الاحتمالات المتضاربة وبعض المخاطر، أعني بها تلك التي يتسبب بها الانزلاق إلى سلوك مسالك المواجهة دون تمييز كاف بينها، وعلى نحو يبعدنا عمّا تسمح به قواعد الديمقراطية وتلك التي تأمر بها الأخلاق. ويؤدي هذا الانزلاق إلى غلبة لغة القطيعة والإدانة على ثقافة المناقشة والمقارنة والتداول والمساءلة والمحاورة.

وأضاف: ونتفكر اليوم من طرابلس في شؤون الإعلام وعيننا على الوسطية والاعتدال فالمدينة هذه كثيراً ما اتسمت الحيوية السياسية والثقافية فيها بالمواءمة بين لون من ألوان المحافظة ونوع من الجسارة في الانفتاح وتقبل الحداثة. وهي مدينة، رغم كل ما تعرضت له وعانت منه، جاهدت وصبرت ولم تفقد مرة واحدة، بأكثرية أبنائها وبناتها، عدداً من الميزات. حسبي أن أخص منها اثنتين تجعلان من الاعتدال نمط حياة ونوعية علاقات. وتتصل الميزة الأولى بوحدة طرابلس في تنوعها، فهي مدينة لم ترض يوماً أن تنشئ وحدتها على حساب التنوع، منذ أن أطلق عليها اسم “مدينة العلم والعلماء” وحتى الأزمنة الحديثة والمعاصرة. وفد إليها الكثيرون من بلدان قريبة وبعيدة، عربية وغير عربية ومن مناطق مجاورة في بلاد الشام ولبنان الحديث واستقرّوا فيها، ومنهم من عبر ثم عاد. وكانت تغتني بمساهماتهم، في الاقتصاد والاجتماع والعلم والثقافة وفي السياسة أيضاً. ولطالما تجددت بهم شخصيتها الجمعية. لم تعرف طرابلس ذلك النزوع الذي يتهدد البيئات المغلقة، نحو القطيعة والانكفاء، كما لم تعرف مشاعر العداء للآخر المختلف ورفضه والتميز ضده.

وتابع: أما الميزة الثانية التي تؤسس ثقافة الوسطية فهي ما تحقق في طرابلس خلال العقود الأخيرة من مصالحة بين اللبنانية والعروبة. وجاءت هذه المصالحة بعد عملية تراكمية، في السياسة والثقافة، تسارعت في لبنان كله وتكثفت منذ سنوات قليلة، اثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وأدت النخب السياسية والثقافية، والتي تنضم إلى مداولاتكم صفوة طيبة منها، قسطاً غير صغير في إنضاجها. لقد اطلعت باهتمام على أدبيات منتدى الوسطية في لبنان واستوقفني فيها ذلك التأصيل الإسلامي لهذين المفهومين. وأعادتني بالذاكرة الى مداخلات الشيخ يوسف القرضاوي في غير ندوة شاركت فيها الى جانبه ومنها واحدة انعقدت عام 1983 في عمّان بدعوة من منتدى الفكر العربي وتناقشنا فيها, إسلاميين وقوميين, مسلمين ومسحيين، مسائل “الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي. اذكر ان الشيخ القرضاوي حرص في حديثه عن الوسطية, على النأي بالحركة الإسلامية عن التشدد والتطرف والضيق بالتنوع وتوسل التكفير لمحاربة الخصم وشيطنته. وابتعد، ومعه الكثيرون، عن تلك النظرة الثنائية للعالم والتي راجت فيما بعد في العالم الإسلامي وفي الغرب, كما بين الأعداء المتصارعين أي بين المختلفين الذين يتشابهون في المنطق واللغة والسلوك والمشاعر”. ولم تغب هذه النظرة الثنائية للعالم، بأممه وثقافاته وأديانه, عنا نحن في لبنان. فالبعض عندنا يحسب إن بلدنا محكوم بالانشطار لأنه مرآة للانقسام العربي وساحة له, بل أرض منازلة, وان هذا الأخير هو انعكاس لحرب كونية بين محور الخير ومحور الشر, وخير هذا هو شرَ ذاك.
وان بين هذه النظرة الثنائية والعنف علاقة وثيقة لأنها تجعل من الجماعات المتنوعة كتلاً متجانسة وتختزل الناس الى بُعد أوحد من شخصيتهم الإنسانية وتتعدى ذلك الى إلغاء الآخر المختلف, فعلياَ كان أم معنوياً. وتظهر هذه العلاقة في مواقف بعض الساسة يتناقلها بعض الإعلاميين بشغف فيما يحاذر بعضهم الآخر أن يكون أداة ترويج لها.

اضاف: لا يخفى على أحد, أن الاعتدال الذي ندعو وسائل الإعلام اللبنانية إليه ليس بأي صورة من الصور تنازلاًَ طوعياً عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية. وليس الاعتدال إحجاما عن اتخاذ المواقف ولا مسايرة للجميع أو تجاهلا للاختلاف بينهم او حيادا في مسائل هذا الاختلاف . بل هو في المقام الاول صنو العقلنة واحترام الآخر والحوار في بلد متنوع يهدد فيه الغلو والتطرف الوحدة والسلم الاهلي والاستقرار. والاعتدال موقف معرفي وأخلاقي يحاكي قواعد السلوك المهني في الاعلام التي تقوم على مبادئ تبدو بديهية غير أن بديهيتها لا تقلل من أهميتها. فالاعتدال يقوم على الحق في المعرفة والتعبير عن الاراء المتنوعة ويعطي الأولوية لفهم الوقائع وهي أولوية الخبر على الرأي.

ويقتضي الاعتدال الاحجام عن نشر كل ما يحض على العنف والكراهية بين اللبنانيين ، ويدعو الى الانتقام، ويستخدم لغة الشجار والتحقير والإقذاع والإغلاظ والبذاءة والتهكم المسيء الى كرامات الجماعات والأشخاص. ذلك أننا في هذه الأيام، وهنا أقتبس من رسالة الصوم لغبطة البطريرك صفير “لا نسمع إلاّ ألسنة تنطق على هواها وهي تحمل ما لم يألفه اللبنانيون من ذي قبل من كلام مقذع وألفاظ تحقيرية ومفردات تنحدر بالناس الى مصاف الحيوانات. وهذا دليل على انحدار في الأخلاق ونفوس ملأها الحقد وفتكت بها الضغينة, والكتاب المقدس يقول الإنسان الغضوب يثير النزاع. وختم متري: إن أخذ النفس بالشدة وضبط الألسنة عن كلام السوء هو باب الاعتدال الذي التأمنا لتعزيزه بفضل منتدى الوسطية في لبنان وعلى همته. بارك الله جهوده وجهود راعيه الرئيس نجيب ميقاتي. ولكم جميعا أيها المشاركون الأعزاء مودتي ورجائي أن يأتي عملكم بثمار طيبة.
ميقاتي

ثم ألقى راعي المؤتمر، الرئيس ميقاتي كلمة قال فيها : كثرت في الاونة الاخيرة ، قراءات وتفسيرات وتعليقات تناولت الوسطية، بعضها من منظار سياسي مرتبط بالاستحقاق الانتخابي المقبل، والبعض من منطلق التمسك بأحادية الرأي والتمثيل، والبعض من موقع التردد والضياع في تحديد الخيارات أو عدم وضوح ماهية الوسطية ومفاهيمها لديه. أضاف: إن الوسطية توفر القدرة على التفكير العميق والمتوازن، وتؤمن رؤية الواقع كما هو، والعمل على تغييره نحو الافضل، وهي ليست منهجية متصلّبة جامدة، بل هي عملية مستمرة ومتتابعة تحتاج إلى عمل وتعزيز مستمر، وجهود دائمة تحض على مسلك الوسطية وسلوكه في حياتنا اليومية والعملية. الوسطية هي فكر وعقيدة ونهج يشمل كافة مكونات الحياة العامة السياسية والإجتماعية والإقتصادية، حيث الانسان هو القيمة الأساسية والمحورية التي يجب العمل على إنمائها وتطويرها. فمستقبل وطننا وأجيالنا، هو نقطة الوسط والارتكاز التي يجب أن تجذب كل الحركة السياسية، والذي نعمل في سبيله ونسعى الى التفاعل مع كل مكونات المجتمع.

وقال: الوسطية تسعى الى إحتضان هواجس الناس وقلقهم وأوجاعهم ، وبلورة طريق للتلاقي والتقدم نحو أفق أكثر إستقرارا وإشراقا ضمن المفاهيم الأساسية لنظامنا الديموقراطي ومندرجاته، من أجل أن ينأى جميع أبناء مجتمعنا عن الانعكاسات المدمرة للطروحات التي تفرّق ولا توّحد ، تبعد ولا تقرّب، تتجاهل ولا تعترف بما لها وما عليها. إن الوسطية هي إذن فعل إيمان بأن لكل مكونات المجتمع حقوقا ولكن عليها واجبات، ونقطة التوازن بين الحقوق والواجبات في سبيل دعم عجلة الانتاج وتأمين فرص العمل وإيجاد سياسة إقتصادية رؤيوية شاملة تجاري المتطلبات الحالية وتحدياتها . وتابع: إن ثقافة الوسطية لا تعني بالضرورة الحديث عن تلك النظريات التي نبحث عنها بين الكتب والمؤلفات والدراسات، بل هي فعل ارادة طوعية ونهج الغالبية، التي يطلق عليها البعض تسمية “الأكثرية الصامتة. من هنا يبرز دور وسائل الاعلام في تعزيز الثقافة الوسطية، لأن من صلب مهامها التنوير والتوعية والتثقيف من دون تشويه الحقيقة أو التحريض الغريزي.

وقال: إذا كان الاعتدال صنو الوسطية في السياسة وفي التعاطي مع القضايا الوطنية، فان الموضوعية هي صنو الوسطية في الاعلام، التي تعني أيضا في مفهومنا، احترام الرأي الآخر من خلال إحترام إرادة الرأي العام وخياراته المتعددة، كما تفرض إقران الرأي والموقف بالحجة والدليل والواقعية، واسقاط التفرد والاحتكار والنهائية التي نلاحظ، ويا للاسف، وجود جنوح اليها لدى بعض الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية. لكني أسارع الى القول بأن الوسطية في الاعلام لا يمكن أن تعني بأي شكل من الاشكال، افتقاد المبادرة والاكتفاء بردات الفعل، كما انها لا تعني عدم الالتزام بالدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، أو بحماية أسس الوفاق الوطني، ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات، وبقيام سيادة الدولة وغيرها من الثوابت الوطنية التي لا مواقف وسط ممن يحاولون المساس بها أو الاساءة اليها. اضاف: اننا نرى أن الاعلام الذي يعبّر عن ثقافة الوسطية، هو الذي يسلط الضوء على اهمية المواطنة في المجتمع من دون أن يغفل القيمة المضافة التي تميز لبنان من خلال تعدد طوائفه وثقافاته التي هي مصدر غناه، ودورها الايجابي في تفاعل الحضارات والثقافات التي جعلت من بلدنا وطن الدور والرسالة. لذلك فاننا ندعو الى تعزيز اعلام المواطنة، لأننا نرى في اعلام الطوائف والمذاهب خطرا على هذه الطوائف وتلك المذاهب، في بلد مثل لبنان، لا تستسيغ الغالبية الكبرى من أهله التطرف بل تدعو الى احترام القناعات والخيارات ومناقشتها بالحجج والمنطق والموضوعية.

وقال: إن الخطأ، كل الخطأ، في القول بأن موقف الوسطيين هو “لا موقف”، ذلك أن عدم إلتزام أحد موقفين متطرفين، هو موقف في حد ذاته ، ومن يحكم في صحة هذا الموقف هو الرأي العام الذي يفترض أن تنقل وسائل الاعلام رأيه بحرية وامانة وتجرد، لا ان تتناوب، عن ادراك أو غير ادراك ، في الترويج فقط للموقفين المتطرفين، فتحرم آنذاك مجموعات من الرأي العام من ابراز موقفها الوسطي، وتصادر حرية الانسان التي نجد في وسائل الاعلام المنبر الابرز للتعبير عنها.

أضاف: لذا فان تعزيز ثقافة الوسطية، هو تعزيز للحرية الاعلامية وحمايتها، وهو أيضا صون الديمقراطية التعددية ، وحفظ التوازن في الممارسة والتعبير، مما يحد من الشطط الذي يؤدي إلى ممارسات سلبية عانينا منها في لبنان خلال الفترة الماضية، وهدرت ميثاق العيش المشترك الذي يعتبر الضامن الحقيقي لوجود الوطن.
وتابع : إننا نرى الوسطية في الإعلام ، دعوة دائمة ومفتوحة الى حوار ميدانه وسائل الاعلام، في كل ما يهم الناس من قضايا، ولا أعني هنا المواضيع السياسية فقط، بل كذلك الهموم الحياتية والاجتماعية والانسانية والتربوية والثقافية والبيئية والصحية. ووحدها ثقافة الوسطية في وسائل الاعلام، توفر المساحة الأرحب لحوار رصين ومتكافىء ومتوازن ومنتج، بعيدا عن مفردات التجريح والشتم والتخوين والتهديد والاصطفاف التي تحفل بها وسائل اعلامنا هذه الايام، حيث سقطت، أو تكاد، كل القيم والمعايير والمقاييس والاعتبارات التي ميزت الاداء السياسي اللبناني قبل أجيال.

بعد ذلك بدأت جلسات عمل المؤتمر التي تستمر يومين وتختتم باذاعة البيان الختامي والتوصيات

لبنان تعزز ثقافة الوسطية

العدد 1136 / 2009-02-20

لبنان تعزز ثقافة الوسطية

بيروت ـ واس:

تبدأ اليوم في مدينة طرابلس شمال لبنان فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لـ(دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية) وتستمر أعماله يومين، ويشارك في هذا المؤتمر ممثلون عن عدد من الدول العربية والأجنبية بما فيهم لبنان لبحث دور الاعتدال في وسائل الإعلام؛ لما لها من إيجابيات في تعزيز الاستقرار في المجتمعات وكذلك في دعم النظم الديمقراطية ومسارها.

الإعتدال موقف معرفي يحاكي قواعد السلوك

أكد وزير الإعــلام طارق متري “أن الاعتدال الذي نـــدعـــو وســــائــــل الإعـــــلام اللبنانية إليه ليس بأي صـــورة مــن الــصــور تــنــازلاَ طوعياً عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية.

وليس الاعتدال إحجاما عن اتخاذ المواقف ولا مسايرة للجميع أو تجاهلا للاختلاف بينهم او حيادا في مسائل هذا الاختلاف”.

أضـــاف مــتــري فــي كلمة لــه في المؤتمر الدولي الثاني للوسطية في لبنان- فندق كواليتي إن- طرابلس ان الاعتدال “في المقام الاول صنو العقلنة واحــتــرام الآخــر والــحــوار في بلد متنوع يهدد فيه الغلو والتطرف الوحدة والسلم الاهلي والاستقرار”.

ولفت الى انه “موقف معرفي وأخلاقي يحاكي قواعد السلوك المهني في الاعــلام التي تقوم على مبادئ تبدو بديهية غير أن بديهيتها لا تقلل من أهميتها. فالاعتدال يقوم على الحق في المعرفة والتعبير عن الآراﺀ المتنوعة ويعطي الاولــويــة لفهم الــوقــائــع وهـــي اولــويــة الــخــبــر على الرأي”.

وأشــار الــى ان الإعــتــدال يقتضي “الاحجام عن نشر كل ما يحض على العنف والكراهية بين اللبنانيين، ويدعو الى الانتقام، ويستخدم لغة الشجار والتحقير والإقــذاع والإغلاظ والبذاﺀة والتهكم المسيﺀ الى كرامات الجماعات والأشخاص”. وختم متري بأن “أخذ النفس بالشدة وضبط الألسنة عــن كــلام الــســوﺀ هــو بــاب الاعــتــدال الذي التأمنا لتعزيزه بفضل منتدى الوسطية في لبنان وعلى همته”.