29/12/2009 – الرئيــس نجيـــب ميقـــاتـــــي لمجلة “الاقتصاد والأعمال اللبنانية”: الوسطيــة هــي الحــل فــي السياســة والاقتصـــاد
حاوره: بهيج أبو غانم
لم يكن الخطاب الذي ألقاه في مجلس النواب في مستهل جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة، هو الدافع لإجراء هذا الحوار مع الرئيس نجيب ميقاتي وإن كان حصل بعد ساعات قليلة على إلقائه الخطاب الذي لقي استحساناً من معظم الكتل والاتجاهات النيابية.
فالحوار مع الرئيس ميقاتي كان مقرراً قبل ذلك، لكن الخطاب وما حواه من مضمون ومواقف جاء يؤكد صحة توقيت الحوار في هذا الوقت.
فالحكومة الجديدة التي رفعت شعار التوافق الوطني في تشكيلها وفي خطابها، بحاجة إلى أصوات تنادي بالتوافق فعلاً لا قولاً، ومن أجدر من الرئيس ميقاتي في إطلاق هذا التوافق، وهو رجل الاعتدال الذي اتخذه نهجاً له منذ توليه رئاسة حكومة انتخابات العام 2005 حتى اليوم، من دون أن يحيد عنه يوماً، بل لقد كرّس هذا الاعتدال من خلال طرحه “الوسطية” كنمط حياة وكسلوك إيجابي في التعاطي مع القضايا المطروحة.
الرئيس نجيب ميقاتي السياسي يمثّل مدينة طرابلس بعد فوزه نائباً في لائحة ائتلاف ضمّت معظم القوى السياسية في عاصمة الشمال. والرئيس ميقاتي لديه ما يقوله في الشأن الاقتصادي بوصفه رجل أعمال، بل أحد أبرز رجال الأعمال في المنطقة. كذلك، الرئيس ميقاتي ذو الوجه الشمالي لديه نظرة إنمائية بالنسبة إلى مدينته وإلى منطقته.
فماذا يقول الرئيس ميقاتي في السياسة والاقتصاد والإنماء؟ كيف سيتعاطى مع حكومة يرأسها حليفه الانتخابي في طرابلس؟ ما هي الأولويات الاقتصادية في هذه المرحلة؟ وماذا في جعبته الإنمائية للشمال؟
التطرف وغياب المؤسسات
السؤال الأول كان: أين يقف الرئيس نجيب ميقاتي في ظل الاصطفاف السياسي القائم؟ أجاب: “لسوء الحظ القول أن لبنان دخل نفقاً في السنوات الأربع الماضية عنوانه الاصطفاف الحاد في هذه الجهة وتلك. وهذا الاصطفاف في اعتقادي ناتج من غياب المؤسسات ومن الغلوّ في التصرّف والمواقف. لقد شهدنا إقفالاً لمجلس النواب، وفراغاً رئاسياً وشللاً حكومياً، ونزول الناس إلى الشارع في ظل تمسّك وتشّبث كل فريق بمواقفه وأفكاره. وهذه الحالة ليست من طبيعة لبنان، بل أن طبيعته أن يكون في الوسط الذي هو نمط حياة، الوسط الإيجابي القادر على اجتذاب الأمور السلبية، وقادر على بناء المستقبل.
أما عن موقفي، فأنا اليوم موجود في مكان لا أعادي أحداً فيه إلا من يكون عدواً لوطني. وفي ما عدا ذلك، كل شأن عندي قابل للبحث والأخذ والردّ شرط أن يكون ذلك تحت سقف الدستور الذي حصل خروج عليه وشطط في ممارسته، الأمر الذي أدى إلى ما وصلنا إليه، لذا فإنني أدعو إلى قراءة وطنية للدستور لا تنبع من الموقع الذي أنا فيه ومن الموقف الذي اتّخذه بل تنبع من الموقع الوطني الذي يجمع اللبنانيين ولا يفرق في ما بينهم.
سأبقى ملتزماً العمل العام لخدمة وطني أولاً، ثم خدمة منطقتي وأهلي في طرابلس تحت سقف الدستور اللبناني وتحت مظلة وثيقة الوفاق الوطني التي أعتبرها وثيقة شاملة وكاملة، حيث أرى البعض ينتقدها من دون أن ينفّذها، فلنبدأ في التنفيذ وتحسين الأداء وفي ضوء التجربة ننتقد.
نُعارض في الوقت المناسب
على رأس الحكومة حليفكم الانتخابي. هل تعتبرون نفسكم ممثلين فيها؟ وكيف ستتعاملون معها معارضين أم موالين؟
بداية أهّنئ الرئيس سعد الحريري وأتمنى له النجاح والتوفيق وأعتز بصداقتي وتحالفي معه، واليوم سنراقب ونحاسب الحكومة في ضوء ما تمارسه وتحققه من إنجازات، خصوصاً أن في البيان الوزاري وعوداً كثيرة على الصعد السياسية والاقتصادية والإنمائية والاجتماعية، وعلى صعد الإدارة والقضاء والشباب. نحن سنراقب ونحدّد موقفنا: نؤيد إذا قامت بما يتوافق مع تطلعاتنا، ونعارض في الوقت المناسب إذا حصل أي تغيير عمّا ورد في البيان الوزاري.
أين “الوسطية”؟
ناديتم في السابق “بالوسطية”، ثم جاءت الانتخابات وخلقت جدالاً حولها كاد يفقدها جوهرها. أين هي “الوسطية”؟ وهل طويت صفحتها؟
لقد اتخذنا من “الوسطية” نهجاً وبدأنا بسلسلة مؤتمرات حولها بالتعاون مع المنتدى العالمي لـ”الوسطية” الذي كان تعاوناً مثمراً مما شجّعنا على الانطلاق بها. وحرصت على أن تنطلق الوسطية من طرابلس ولاسيما بعد أن اخترنا الدين أول عنوان لها لإظهار وسطية الدين الإسلامي الحنيف. وقد حققنا في ذلك نجاحاً كبيراً ما دفعنا للإنطلاق نحو المجالات الأخرى فكان المؤتمر الثاني حول الوسطية في الاقتصاد. وقد انقضى وقت على المؤتمر الثالث بسبب الانتخابات ثم تشكيل الحكومة. لكننا سنعلن قريباً عن موعد للمؤتمر الثالث حول الوسطية.
لقد أردنا الوسطية نهجاً وأردناها إرادة وطبيعة حياة ونمط سلوك، فهذا النهج لا يمكن أن يدّعيه شخص بالقول أنه وسطي .. بل هو حياة وسلوك، هي وسطية مع صلابة في القرار، إذ أنها لا تعني اللون الرمادي، أي لا أبيض ولا أسود، بل تعني النقطة التي يلتقي الجميع حولها لما فيه خير لقضية معّينة.
الوسطية في المجلس
انطلاقاً من هذه الوسطية، هل تتوقعون أن دخولكم مجلس النواب فينضم إليها من هنا ومن هناك؟
هذا الأمر سيحصل حتماً ولكن السؤال هو متى ومن؟ لأنه لا يصحّ إلا الصحيح. فلبنان في سياسته الخارجية لا يمكن إلا أن يكون على علاقة جيدة مع الجميع، ولا يمكنه إلا التعامل بانفتاح مع كل مكونات المجتمع. فقدرنا أن نكون معاً. فلنجعل من هذا القدر مصدر سعادة عوضاً عن تحويله إلى مصدر تعاسة. نحن جسم واحد وبعد أكثر من 60 عاماً على الاستقلال صار لزاماً علينا أن ندرك بأننا سنعيش معاً. وهذا الأمر لا يتمّ إلا من خلال التعاطي مع بعضنا بعضاً من خلال الوسطية التي تعترف بالآخر، والتي تدرك أن هزيمة الآخر ليست نصراً لي، وأن نصر الآخر ليس هزيمة لي. فالنصر والهزيمة هما للوطن وليسا للأفراد ولا للطوائف ولا للأحزاب.
لا حكم بلا معارضة
إنطلاقاً من هذه الرؤية، هل تعتقدون أن تشكيل الحكومة هي صورة مصغرة عن المجلس، يحقق التوافق، أم أنه يحقق ديموقراطية التناقض؟
خرجنا من الانتخابات مرتين بوجود أكثرية وأقلية. ثم جاءت الحكومات فرأينا أنه لا الأكثرية حكمت ولا الأقلية عارضت، وبالتالي أصبحنا في مكان ما من دون حكم ومن دون معارضة. وافتقدنا آلية شرعية الحكم لأنه لم يعدّ هناك أي إمكانية أو وسيلة لوقف الذي وصل إلى الاشتباك؟ طبعاً أوصلنا هذا الواقع إلى حكومة موزعة على أطراف عدة، ولكل طرف فيها له حق النقد. أنا، وبكل إخلاص، أدعو لهذه الحكومة بالنجاح، ولكن وبحسب خبرتي وتجربتي، لا يمكن لهذه الحكومة إلا أن تدخل في مطّبات أخشى أن تتحول إلى أزمة كبيرة.
ازدهار مصرفي ونقدي
بالانتقال من السياسة إلى الاقتصاد، كيف تقيّمون الوضع القائم وما هي الأولويات للمعالجة؟
من المتابعة الاقتصادية في لبنان نرى أن هناك مؤشرات إيجابية جداً يعود الفضل فيها إلى حاكمية مصرف لبنان وإلى السياسة الحكيمة التي اعتمدتها، ما أدى إلى مناعة الجهاز المصرفي والوضع النقدي أمام الكوارث المالية التي شهدها العالم بأسره. وفي ظل هذه الكوارث استطاع لبنان أن يكون في اتجاه معاكس، فيشهد التدفقات التي مكّنت مصرف لبنان من تعظيم احتياطاته. فاحتياطي البنك المركزي من ودائع وموجودات خارجية بات يفوق الـ 27 مليار دولار، يضاف إلى ذلك احتياط الذهب الذي يقدّر بالأسعار الحالية بما بين 11 و 12 مليار دولار. وإذا جمعنا احتياطات العملات والذهب معاً نصل إلى مبلغ يغطي بنسبة 120 في المئة حجم كتلة النقد المتداول، وبالتالي ليس هناك أي عملة في العالم تتمتع بمثل هذه التغطية. فكل الأرقام والمؤشرات تدل على سلامة النظام المصرفي والوضع النقدي في لبنان، ويضاف إلى ذلك النمو المطرد في بعض القطاعات كالعقار والسياحة، ولكن… وعند هذه الـ “ولكن” يكمن التحدي.
ميثاق اقتصادي وعقد اجتماعي
ويتابع الرئيس ميقاتي: “بموازاة هذا النمو الذي نتحدث عنه نرى نمواً من نوع آخر، أي نمواً سلبياً من حيث مؤداه. نرى نمواً في الدين العام وفي العجز، وفي كلفة الإنتاج المترتبة على القطاعات الإنتاجية، ثم نرى ضعفاً في إنتاج القطاع العام نراه في إهدار الطاقة وفي الصناديق، ونمواً متزايداً في كلفة التقديمات الاجتماعية والتربوية والصحية الناتجة من تراكمات سابقة من دون أن يرافق هذه الأكلاف تحسين في مستوى الخدمات ونوعيتها. وهنا يبرز السؤال: كيف ينعكس الحجم القياسي في الودائع المصرفية (100 مليار) والمستوى الأعلى في التغطية على المواطنين الذين يواجهون المشاكل الاجتماعية من فقر وعوز وبطالة؟ وهنا تحديداً تبرز الأولوية عند الحكومة والكامنة في كيفية إيجاد حلقة الربط بين الازدهار المالي وبين المشاكل الاجتماعية. ومثل هذا السؤال المركزي يقودنا إلى الدعوة من جديد إلى مؤتمر أو إلى خلوة للبحث في تساؤل أساسي: أيّ اقتصاد نريد، وكيف يمكن أن ينعكس هذا الاقتصاد استثمارات إضافية؟ وكيف نحفّز القطاع الخاص على استثمار يستولد فرص العمل ويجعل من لبنان مركز استقطاب وجذب، بحيث ينعكس ذلك كله على الوضع الاجتماعي.
لذلك دعونا في السابق يوم كنت في رئاسة الحكومة إلى ميثاق اقتصادي نستولد منه عقداً اجتماعياً جديداً، ولعلّ هو على رأس أولويات الحكومة. إن نجاح مصرف لبنان في المجال المصرفي والنقدي ينبغي أن يواكبه نجاح مالي بهدف تيسير وتسهيل عملية الاستثمار بهدف قيام مشاريع اقتصادية جديدة يشارك فيها القطاع الخاص وتؤدي إلى خلق فرص عمل.
تنشيط القطاع الإنتاجي
تعنون أن تحويل الازدهار إلى نمو يقتضي تنشيط وتنمية المشاريع والاستثمارات الإنتاجية؟
بالتأكيد، فحتى نرى ثمار الازدهار فعلياً وواقعياً علينا تنشيط القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة. فكيف يمكن حفز القطاع المصرفي الذي وصلت ودائعه إلى أقصى حد وإلى ما يوازي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي إلى تمويل يؤدي إلى حركة اقتصادية؟ كيف يمكن ذلك في وقت تبدو الدولة منافساً قوياً لأي قطاع مما يدفع المصارف إلى التوظيف في الدولة (سندات خزينة وسندات حكومية) عوضاً عن التوظيف في قطاعات أخرى غير محمية ولا تحظى باهتمام الدولة؟ إن حصة الزراعة من مجمل التسليفات تمثل 1 في المئة، وحصة الصناعة 12 في المئة فقط، وهذه نسب تعتبر متدنية. ولا نلوم المصارف بقدر ما نلوم الدولة. فلماذا تكترث المصارف بقطاعات لا تكترث بها الدولة؟ ولكن عندما يتم وضع خطة معينة لـ 5 أو 10 سنوات لدعم الإنتاج تبادر المصارف إلى التوظيف في مشاريع إنمائية واقتصادية.
وهنا، وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى تحّرك القطاع المصرفي ولو جزئياً نحو القطاعات الإنتاجية، وبمجرد اتخاذ تدبير جزئي يتعلّق بالقروض المدعومة ومن خلال التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان. كيف سيكون الوضع في حال إقرار خطة أكثر شمولية؟
خفض الدين العام
عملياً، إن ما تطالبون به من خطة لتنشيط الإنتاج، يقتضي تحرير المصارف تدريجياً من مهمة تمويل الدولة، وهذا يقتضي منطقياً تخفيض حجم الدين. كيف يمكن برأيكم تحقيق ذلك؟
لقد وعدت الحكومة في البيان الوزاري بأنها ستنشئ هيئة خاصة جديدة لإدارة الدين وهذا أمر جيد. ولكن في اعتقادي أنه ينبغي خفض الفوائد التي نتمكن من تحقيقها في الفترة السابقة، لكن اليوم يبدو ذلك ممكناً مقارنة بمستويات الفوائد في الأسواق العالمية. كذلك في اعتقادي، أنه الوقت المناسب اليوم لتحويل جزء كبير من الديون الخارجية إلى دين داخلي بالليرة اللبنانية. بعد ذلك يمكن أن ننظر إلى المرافق والقطاعات التي يمكن الاستغناء عنها لخصخصتها أو لإجراء تسنيد لمردود بعضها يساهم في التخفيف من حجم الدين.. فإذا تحقق كل ذلك تباعاً وتمكّنا من وقف تزايد الدين لفترة سنة أو سنتين، نكون قد دخلنا مرحلة جديدة في ظل استمرار النمو في الاقتصاد اللبناني.
وهذا الأمر يوصلنا بالفعل إلى تحقيق معدل أقل بكثير لإجمالي الدين إلى إجمالي الناتج المحلي. وأنا شخصياً كمسؤول وكإقتصادي لا أخشى كثيراً من مسألة الدين إذا كانت هناك إدارة سليمة له ورؤية واضحة لكيفية تخفيضه تدريجياً مع المحافظة على معدلات النمو.
خصخصة، لا توزيع تركات
تتحدثون عن التسنيد وكأنكم تستبعدون الخصخصة. ما هي نظرتكم إلى موضوع الخصخصة في ضوء ما جرى ويجري من نقاش حولها؟
الخصخصة هي ضرورة حتمية وينبغي أن لا نلغيها من تفكيرنا. والسؤال هو: هل هناك إمكانية لخصخصة المرافق العامة؟ وهل إذا خصخصنا هذه المرافق أو بعضها ضمن الواقع القائم في البلد، يكون ذلك عبارة عن توزيع تركات وإجراء عمليات حصر إرث قبل توزيعها على النافذين؟ في اعتقادي وقناعتي أنه يجب المحافظة على ملكية الدولة للمرافق العامة، لأنها العنصر الوحيد الذي يوحّــد لبنان واللبنانيين، حتى لا نقول هذه الشركة لهذه الطائفة، وهذه أخرى لتلك الطائفة. لذا أؤكد على أن تبقى الملكية للدولة وأن يتمّ تخصيص الإدارة تخصيصاً كاملاً في إطار ما يسمى الهيئات الناظمة (Regulatory Board)، من أجل مراقبة هذه المؤسسات.
فإذا خصخصنا الإدارة وطلبنا من الجهة التي تدير الإلتزام ولو بحدّ أدنى من المردود السنوي لكل مرفق، عندها يمكن تسنيد هذا الإيراد لفترة زمنية معينة تساعدنا على خفض الدين فوراً. وما يفيض عن هذا الحدّ الأدنى يكون إيراداً للدولة. أقول ذلك من خلال تجربة مررنا بها. خصخصنا وضاقت العين بهذه الخصخصة ثم تمّ استرداد ذلك، ونحن اليوم لا نعرف من يدير هذا المرفق (الهاتف النقال، القطاع العام أم القطاع الخاص). أعود وأكرر: خصخصة إدارة وتسنيد مع إنشاء هيئات ناظمة كفوءة وموثوقة في كل قطاع كالكهرباء والبريد والهاتف وذلك للإشراف ولضمان حقوق المستهلك والمستثمر.
وأكثر من ذلك، وهذا ما ذكرته في خطاب مناقشة البيان الوزاري، يجب أن يتمّ تشكيل هيئة ناظمة للنفط. فهذا الملف الحساس لا يجرؤ أحد أن يخوض به خشية أن يصير جزءاً من الفساد الشائع في البلد.
تسييس الهيئات الناظمة
ولكن تجربة تأسيس الهيئات الناظمة فشلت من خلال الهيئة الناظمة للاتصالات لأسباب التضارب في الصلاحيات وأسباب أخرى؟
نعم، لأن السياسة هي التي طغت على الموضوع. لذلك ينبغي تحييد هذه المسألة وخصخصة الإدارة ضمن شروط واضحة وضمن كفالة حد أدنى من المردود لكل قطاع. وفي هذا السياق لا بدّ من التنويه بتجربة شركة طيران الشرق الأوسط وكيف أن خصخصة إدارتها مكّنتها من تحقيق ربحية عالية. وهذه التجربة يمكن القول عنها أن مصرف لبنان كان لها بمثابة الهيئة الناظمة، وبالتالي يمكن سحب ما تمّ في “الميدل ايست” على مرافق أخرى منتجة.
طرابلس: اجتماعي، إنمائي، استثماري
وبالانتقال من السياسة والاقتصاد إلى طرابلس والشمال، حيث لكم نشاطات متنوعة بأساليب مختلفة، كيف تعملون في منطقتكم؟ وما هي أهدافكم؟
أتفاعل مع أهلي في طرابلس والشمال من خلال ثلاثة محاور أساسية هي: اجتماعي خيري، إنمائي، واستثماري.
على المستوى الاجتماعي الخيري: يتم هذا النشاط من خلال جمعية العزم والسعادة الاجتماعية التي احتفلنا مؤخراً بالذكرى الـ 20 لتأسيسها، وهدف هذه الجمعية أن تكون قريبة من كل معوّز ومريض، بل من كل فرد ليس بمتناول يده القليل من الحد الأدنى للعيش الكريم، لقد أجرينا مسحاً لطرابلس حيث تبين منه أن هناك عشرات الآلاف من المعدمين، ويصل إلى منازل هؤلاء شهرياً حزمة تحتوي على المستلزمات الأساسية للحياة الكريمة.
وفي الإطار الاجتماعي، هناك مساعدات الاستشفاء، والدعم المخصص للتعليم من خلال قروض تعطى لنحو 4 آلاف طالب جامعي مسجلين في المؤسسة، وتمنح لهم عبر جمعية العزم والسعادة الاجتماعية.
على المستوى الإنمائي: وهذا المحور نوليه اهتماماً أساسياً لأن تنمية الإنسان هي الأساس. وفي هذا الإطار نقوم بعمل مميز، حيث أنشأنا أول مدرسة في طرابلس بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت التي تعكف على إعداد المناهج الدراسية والنظم التربوية والإدارية. وتستوعب المدرسة نحو 1200 طالب في أقسام الابتدائي والتكميلي والثانوي، إضافة إلى نحو 800 طالب للتعليم المهني. المبنى شارف على الانتهاء، والدروس ستبدأ اعتباراً من شهر أيلول 2010، وفي مطلع العام الجديد تبدأ الخطوات التحضيرية لتأهيل الطلاب واختيار المدرسين.
على المستوى الاستثماري: أنهينا عملية تأسيس شركة استثمارية “العزم للإنماء” محصور نشاطها بطرابلس والشمال وبرأس مال مدفوع قدره 50 مليون دولار. وهدف هذه الشركة إقامة أي مشروع مجدٍ قادر على خلق فرص عمل، كما أن الشركة على استعداد للمشاركة في أي مشروع يحقق الغرض نفسه. وندرس حالياً مشاريع عدة سيعلن عنها الواحد تلوَ الآخر.
حركة سياسية
أين تقف السياسة من كل هذا النشاط؟
من الطبيعي أن يُسأل عما إذا كانت هذه النشاطات عملاً سياسياً. بالفعل هي سياسة ولكن بمفهوم مختلف كلياً. فنحن نعمل في ترسيخ حركة سياسية مستقلة لإنجاح هذه المشاريع بحيث تكون السياسة داعمة لها لا أن تدخل إلى هذه المشاريع فتحصل الشرذمة في المهمات وفي الرؤية. إذاً، السياسة منفصلة عن هذه المحاور الثلاثة التي ليس لها علاقة بالسياسة ولكن وفي الوقت نفسه ما نقوم به هو عمل سياسي بامتياز، لأننا نعتقد أن السياسة إنماء وخدمة الناس من أجل رفع مستوى معيشتهم، وليست السياسة خطابات ومهارات.
هل هناك تمييز بين من هو معكم ومن هو ضدكم؟
في الشأن الاجتماعي والخيري أتحدى من يقول بأننا نميّز بين الناس. ولا مرة سألنا شخصاً عن هويته أو سياسته، وليس في قاموسنا السياسي مفهوم “هذا معنا وهذا ضدنا”.
العزم والسعادة
وماذا عن جمعية العزم والسعادة الاجتماعية؟ هل هي جمعية أم حزب؟
في الواقع، ستكون هناك حركة سياسية منفصلة، تتمثل في منتديات العزم التي ستتحول إلى حركة سياسية كاملة وهذه صار لديها جمهورها، وهي تشكّل أسلوباً جديداً في العمل السياسي.
خطة 2020
أطلقتم في وقت سابق خطة بعنوان 2020، لإنماء طرابلس والشمال وكنتم تعدون لها مؤتمراً، أين أصبحت هذه الخطة؟
لقد أخذنا على عاتقنا ككتلة نواب طرابلس إقامة مؤتمر كامل لإنماء طرابلس، وقد كلفنا زميلنا روبير فاضل متابعة هذا الموضوع وبلورة هذه الخطة، ونعتزم طرحها على رئيس مجلس الوزراء لأننا نريد أن تكون خطة مشتركة بين القطاعين العام والخاص.
ميقاتي رجل الأعمال
ماذا عن الرئيس ميقاتي رجل الأعمال، وما هي النشاطات التي تقوم بها مجموعة ”
في المجموعة هناك تركيز على قطاع الاتصالات، ونحو 50 في المئة تقريباً من مجمل الموجودات موظف في شركة MTN للاتصالات، وهي واحدة من الشركات العالمية العاملة في الاتصالات الخلوية وتتواجد في معظم البلدان الأفريقية وبعض البلدان العربية والشركة في نمو مطرد.
أما الـ 50 في المئة المتبقية فمعظمها موظف في العقار، وجزء إضافي في مجال الـ Fashion ونعكف على توسيع نشاط الشركة التي تتعاطى “الموضة” والألبسة على صعيد كبير.
إلى ذلك لدينا مساهمات في شركات مختلفة مثل المصارف وشركات الطيران، ومجموعة “M1” مركزها في بيروت، ونشاطنا في لبنان محصور بالقطاع العقاري.
اقتصاد جديد
ذكرتم في مستهل العام أن الأزمة المالية العالمية نتجت من كثرة الأموال وقلة الأفكار. هل بدأت الأفكار تنشط من جديد؟
للأمانة نقلت هذه العبارة من محاضرة قدمها أحدهم خلال منتدى “دافوس”، وهذه العبارة تعبّر بالفعل عما جرى. فالحياة هي سلسلة من الدورات Cycles نمر حالياً في إحداها وعلينا الانتظار بعض الوقت حتى تتبلور نظرة جديدة لاقتصاد جديد. هذه النظرة لم تنضج بعد بسبب الرواسب الخفيفة المتبقية من الأزمة. هذه الأزمة ولدت أمراضاً عدة تمت معالجتها وبقي منها رواسب … في المرحلة السابقة كثرت الأموال نتيجة لطفرة أوراق مالية تنتقل بوتيرة متعددة وتولد أموالاً من ورق، وفي غياب إنجازات فعلية ومشاريع حقيقية تعطي الشؤون المالية قيمتها. الاقتصاد الجديد آتٍ حتماً ولكن علينا الانتظار.
مناخ الاستثمار
نختم هذا الحوار بسؤال عن نظرة المستثمرين الخارجيين للبنان وتقييمكم لمناخ الاستثمار واتجاهاته؟
لا شك في أن الاستثمار العقاري في لبنان هو الأفضل والأكثر أماناً في العالم. فالمساحة التي يمكن البناء عليها لا تتجاوز نصف مساحة لبنان وتبلغ نحو 5600 كيلو متر مربع، والباقي أحراج وجبال ووديان. وفي بيروت باتت العقارات غير المبنية محدودة جداً في ظل عرض قليل وطلب كبير يرافقهما نمو سكاني. لا شك أن الاستثمار في العقار لا يشكّل نمواً اقتصادياً، لكن على هامش هذا الاستثمار يمكننا اجتذاب المستثمر إلى قطاعات أخرى. فهو عندما يواجه عراقيل في استثماره العقاري لا يعود يفكر في مجالات أخرى. ومن المُلح جداً إزالة هذه العراقيل ولاسيما الإدارية وتيسير وتسهيل المعاملات مع القطاع العام، وتوفير القضاء السريع والعادل، وعند ذلك يتشجع المستثمر العربي الذي نحن في حاجة إليه، كما أن النظرة إلى قانون التملّك ينبغي أن تنطلق من وجوب اعتماد ضوابط وليس وضع عراقيل
الرئيــس ميقاتــي السياســي
– الاصطفــاف مــردُّه إلــى غيــاب المــؤسســـات والغلـــو فـــي التطـــرف
– أعتـز بصداقتـي وتحالفـي مـع الرئيـس سعــد الحريــري ومـوقفــي مــن الحكومــة مرتبـــط بأدائهـــا وإنجازاتهـــا
– الــوسطيـــة نهــج ونمــط حيــاة وصلابـــة موقـــف وسنعلـــن قريبـــاً عـــن مؤتمـــر جديـــد حـــول الوسطيـــة
– ستــدخـــل الوسطيــــة إلــــى مجلــــس النـــواب ولكـــن الســـؤال هــــو: متــــى ومـــن؟
– لا أؤمـــن بحكومــة كــل فريــق فيـهــا يمــلك حــــــــق النــقـــض
الرئيـــس ميقاتـــي الاقتصـــادي
– أدعـــو إلـــى اعتمــاد أسلــوب خصخصـــة الإدارة وإنشـــاء هيئـــة ناظمـــة لكـــل مرفــق
– الميـــدل إيســـت( نمـــوذج ناجـــح لخصخصــة الإدارة ومصـــرف لبنـــان هـــو بمثابـــة ) (الهيئـــة الناظمــــة)
– اعتمـــاد التسنيـــد لإيـــرادات المرافـــق المنتجـــة
– الوقـــت مناســـب للسعــــي لتخفيـــض الفوائــد وتحــويل قســم مــن الديـــن الخارجـــي إلـــى الليـــرة
– فــي طليعــة أولويــات الحكومـــة تنشيــط الإنتـــاج لترجمـــة الازدهـــار المصرفـــي اقتصاديـــاً واجتماعـيـــاً
– السيــاســـة النقديـــة الحكيمــة للبنــك المركزي مكّنـــت لبنـــان ليكــــون بمنـــأى عـــن الأزمـــة
– احتياطــي مصـــرف لبنـــان مـــن العمـــلات والذهـــب يُؤمِّـــن تغطيـــة 120 فـــي المئـــة للنقـــد المتــــداول
الرئيـــس ميقاتـــي الشمالــــي
– أعمل على 3 محاور: اجتماعية وإنمائية واستثمارية
– مدرسة في طرابلس بالتعاون مع الجامعة الأميركية
– جمعية العزم والسعادة( تؤسس لحركة سياسية مستقلة)
– شركة استثمارية خاصة بطرابلس والشمال رأس مالها المدفوع 50 مليون دولار
الرئيس ميقاتي رجل الأعمال
– 50 في المئة من استثماراتنا في قطاع الاتصالات
– معظم النصف المتبقي من الاستثمارات يركّز على العقار في لبنان وبريطانيا
– مجموعة «M1» مركزها في لبنان ولديها مساهمات في شركات مختلفة